قصة بخصوص السنيور دي لابينيا

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الكاتب والأديب إليسيو دييجو وهو من مواليد دولة كوبا من أبرز وأهم المؤلفين الذين برزوا في القرن التاسع عشر، حيث أنه كان له باع طويل في السفر والتجوال في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما جعله على علم ودراية بالأدب الإنجليزي، وقد ترجمت العديد من القصص والروايات إلى أفلام سينمائية، كما كان يعتمد على سرد الخرافات والأساطير في أعماله الأدبية، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها هي قصة السنيور دي لابينيا.

قصة السنيور دي لابينيا

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد القصور الذي كان مهجور منذ ما يقارب عشرين عاماً، حيث كان ذلك القصر موجود فوق جرف صخري بعيد عن القرية، والجو هناك كانت تطغو عليه الرياح القوية والتي شبهت بأنها يطارد بعضها الآخر، لتواصل ظهور الألعاب الوحشية في ذلك القصر، كما كان البحر يسير بأمواجه العالية إلى أطراف ذلك القصر.

وفي أحد الأيام تم طلب من مجموعة من العمال أن يقوموا بترميم ذلك القصر بغرفة وممراته التي كانت جدرانها منهكة إلى درجة أنها مهدومة بالكامل وبحاجة إلى ترميم كامل، وبعد انتهاء العمال من ترميمه خلال شهر واحد، تم بعد ذلك مباشرة وصول حمولة ما يقارب حمولة عشرين سيارة، والتي كانت في ذلك الوقت قد شحنت محملة بالأثاث للغرف العشرين الموجودة في القصر.

وبعد الانتهاء من تجهيز القصر بالكامل قام كل من البستاني والخادمة والبواب والطباخة والذي تم استأجرهم من قبل المالك الجديد، يقفون أمام بوابة القصر يرقبون مجيئ المالك الجديد وأفراد عائلته، كانوا الخدم مسندين ظهورهم إلى جدار رواق المدخل، وفي تلك اللحظة  تنهدت الطباخة وقالت: لا بد أنهم فوج كبير من الجنود، أومأ الآخرون برؤوسهم بأسى وكيف لهم أن يلحقوا على خدمة هذا العدد الكبير.

غير أنه حدث ما لم يكن ضمن توقعاتهم حيث أنه في نهاية الموكب لم يكن هناك سوى سيارة واحدة، ولم يكن بداخلها سوى السنيور الجديد وهو ما يعرف باسم دي لابينيا، وهنا قال البستاني وهو تملئه الحسرة: قد يكون هذا الأمر أسوأ فلا تفرحوا كثيراً، لكن الخادمة كانت متحمسة للعمل وقالت: حتى ولو ذلك فإنه أفضل من أن يكون هناك عدد أكبر.

وفي ذلك الوقت رآه كل واحد من العاملين بشكل مختلف عما رآه الثاني، حيث أن الخادمة كانت قد رأته أنه ولد ومجرد طفل، وقد كانت تقول ذلك بينما كانت ترتب شعرها وتحاول أن ترى نفسها من الجانب في زجاج خزانة الفضيات، وهنا قال البستاني بينما كان يقوم بوضع البيرية المبتل على منضدة المطبخ، ويمسح جبينه بمنديل كبير ذو لون أحمر وأصفر: لكنه ولد يمتلك وجه رجل عجوز من يتصور ذلك، وأخذ يروي لهم أنه كيف كان يصر على إخفاء زهريات الورد بين سعف النخيل، وأضاف بنظرة كانت تحمل معنى مهم إلى الخادمة: وإضافة على ذلك لا يتمكن من الوقوف على رجليه إلا بعد معاناة.

وهنا نظرت الخادمة إلى البستاني وهو يعتريها الغضب الشديد: طبعًا وماذا تريد من رجل مسكين يعاني من وجع في منطقة الظهر، إنه يبدو أنه رجل متدين وطيب، وهنا قام البواب والذي كان بدوره أيضًا يشغل منصب الخادم الخصوصي للسنيور دي لابينيا، أن السنيور يبقى مدفونًا في كتبه في هذا القصر وهو يرتدي ملابس التي تبدو وكأنها ملابس كاهن ودائمًا ينطق بعبارات كهذه: هل تتفضل علي بكأسٍ من الماء،  أرجو أن تتعطف علي بفنجان من القهوة، أشكرك جدًا جدًا جدًا على تعاونك معي، حتى وصل به الأمر أنه رجاني أن أسامحه عندما قمت بدلق كأسة من القهوة كلها عليه بالغلط.

وفي تلك الأثناء حينما سمعت الطباخة بذلك وضعت يديها على شفتيها وقالت: ملابس كاهن!! إذ كان يبدو لي أنه شخص عائدًا من ركوب الخيل، ويرتدي ملابس قذره جدًا وحذائه مغطى بالوسخ، أنا في رأيي إنه إنسان موحش، ثم بعد وصوله طلب مني شراب وكان ينطق بكلام بذي للغاية، كل هذا دون أي سبب، حتى زوجي الميت لم يتلفظ يوماً من الأيام بهذا الكلام، وهنا قال البواب وهو يعد بعض النقود المعدنية وكان حينها شارد للذهن: اهدئي اهدئي إذ أن كل إنسان من الممكن أن يمر بلحظة سيئة يضجر فيها.

وبعدما سمع البستاني كل الحديث: قال إنه رجل عجوز وقام حينها بقرع المنضدة بيده، وكرر مرة أخرى أنا أقول إنه رجل عجوز، ومن العيب أن نتكلم عنه من خلف ظهره، وهنا صرخت الخادمة وقالت: اصغوا لما يقوله البستاني إنه رجل عجوز، من المؤكد أنك تحلم، فإذا كنت تفكر بصوت عالي وحسب لا بأس، لكن أيّ شيء آخر غير ممكن.

وفي تلك اللحظة حاول البواب أن يتدخل من أجل إحلال السلام وقال: حسن جدًا، إنه في الحقيقة رجل أصلع قليلًا وعنيد، لكنه ليس رجل عجوز، ولأنه أشقر من الممكن أنه تبين أنه أصلع وأشقر، وهنا قاطعت الخادمة وطلبت من السماء أن تشهد على كل تلك الأقاويل، إذ كانوا على وشك اللجوء إلى استخدام القوة فيما بينهم، عندها حاول البواب تهدئة الأمور بينهم وقد كان في تلك اللحظة يمتد مستعد للقتال وفي ذات الوقت الذي طالب فيه بالهدوء.

وفي تلك الأثناء فكر البواب في الكلام جيداً وقال: إنه أمر غريب جداً فمن الواضح أننا نتكلم عن أربعة أشخاص مختلفين عن بعضهم البعض، وإذا فكرنا في الأمر جلياً لمدة دقيقة واحدة فقط، نجد أننا نحن الأربعة قد شاهدناه كلنا معًا مرة واحدة فقط، حيث كان ذلك حينما وصل وكان ملفوفًا بالكامل بالفرو، حيث أنه من المحتمل أن يكون دب، ولدي اقتراح أن نذهب نحن الأربعة بالكامل ونشاهده على الفور إنه يوجد الآن في غرفة مكتبه، تركته هناك منذ قليل.

ولكن هنا اقترحت الطباخة أن يقوموا في البداية بالإرسال خلف نسيبها الشرطي القروي، ومن الأفضل أن يختلس إليه الخمسة النظر معاً عبر شباك غرفة المكتب، كان في تلك اللحظة السنيور جالس على مكتبه، لكنه لم يكن يكتب، وكان يسند رأسه على المسند العالي لكرسيه، دون أي حركة يقوم بها في الوهج الثقيل لضوء الشمس، وهنا قال البستاني: نعم هذا هو السنيور إنه ولد على شكل عجوز.

وفي ذلك الوقت قامت الخادمة بتغطية وجهها بيديها: كنت على حق إنه رجل عجوز بغيض، وهنا تراجع البواب خطوة وبدأ يرسم على نفسه إشارة الصليب، وقال: إنه شيطان دون أدنى شك، وهنا غمرت الطباخة سعادة عارمة حيث تطابق رؤية البواب مع رؤيتها، وهنا أمسك الشرطي بكمها وهو يعتريه الغضب، وقد بدت عليه إيماءات نفاد الصبر وقال: إلى أي شيء تنظرون ليس هناك شيء على الإطلاق سوى كرسي فارغ.


شارك المقالة: