هذه القصة صدرت عن الكاتب والأديب الياباني ياسوناري كاواباتا، والذي بدوره كان حاصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1968م، كانت بداياته الأدبية أثناء دراسته الجامعية في جامعة طوكيو الإمبراطورية.
قصة تجميل
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى النوافذ التابعة إلى اثنين من المراحيض التابعات إلى إحدى القاعات التي تتم بها عقد الجنائز، وقد كانت تلك القاعة تشتهر باسم قاعة ياناكا، حيث أنه في ذلك المكان كان هناك فراغ ضيق قائم بين مبنيين، والذي كان أحدهم هو المكان الذي تتخلص فيه القاعة من نفايات الزائرين والمشيعين، حيث كانوا يلقون بباقات الزهور الجنائزية المتبقية خلفهم، والمبنى الثاني هو ما يعود إلى منزل الشخصية الرئيسية.
وفي ذلك المكان كان هناك ضجيج عائم من الحشرات الخريفية، والتي بدورها تكاثرت إلى أن ارتفعت عالياً في المقبرة التي كانت تتبع إلى القاعة الجنائزية، وعلى الرغم من أنه في ذلك الوقت كانت آخر مسيرة أقيمت في فصل الخريف لم تتعدى تاريخ منتصف شهر سبتمبر، وفي ذلك الوقت كان هناك السيد صاحب المنزل المجاور وفي ذلك المكان قام وضع يديه على كتف زوجته ومضي بها وبشقيقتها الأصغر منها سناً عبر الدهليز وهو الجزء والممر الضيق بين الحمامين؛ وذلك رغبة منه في أن يريها شيئاً، على الرغم من أن الظلام قد حل، وبينما همّ في فتح باب الحمام الذي كان موجود في نهاية القاعة، عمت على أنوفهم رائحة زهور الأقحوان.
سنين قد مرت على زهور الأقحوان في ذلك المكان، وقد كانت تلك الزهور موجودة في ذلك المكان منذ زمن، دهشت الزوجة وشقيقتها من ذلك المنظر، وسرعان ما اتجهتا باتجاه النافذة التي كانت موجودة فوق حوض الغسيل، وقد كانت تلك النافذة تبدو وكأنها مزدهرة بورود الأقحوان ذات اللون الأبيض، وقد كانت في تلك اللحظة قد انتصبت ما يقارب على العشرين باقة بصورة متتالية، وقد كان ذلك يظهر جزء مما تخلف عن إحدى الجنازات التي أقيمت في ذلك الوقت، وحين مدت الزوجة بيدها من أجل أن تتناول زهرة، أخذت تتساءل بصوت عالي وقالت: كم من السنين قد مرت منذ رؤية كل هذا العدد من زهور الأقحوان دفعة واحدة.
وهنا قامت الزوجة بإضاءة النور، وإذ بها تتألق أوراق التغليف التي كانت تلتف حول الباقات والتي كانت تتميز بلونها الفضي، وبينما عادت الزوجة إلى عملها في تلك الليلة بقيت رائحة زهور الأقحوان تقتحم أنفها في كل مرة كانت تسير بها إلى الحمام، إلى الحد الذي أدخلها في حالة من الإعياء بسبب عملها طوال الليل مع تبدد في عبق الزهور، وفي نهاية المسير وفي وضح النهار بدت الزهور ذات اللون الأبيض تزداد بياضًا كما شرعت أوراق التغليف الفضية في التوهج أكثر فأكثر.
وهنا انتقل الحديث والسرد إلى الزوج، حيث قال: بينما كنت في أحد الأيام عاكفاً على عملي لاحظت وجود طائر كناري وقد كان جالساً فوق الزهور، وربما كان ذلك الطائر قد تم إطلاقه في إحدى الحفلات التي أقيمت قبل يوم، وقد بدأت حالة الإعياء تتبدد إلى الزوج ونسي أمر إعادة الطير إلى متجر الطيور.
ومع حلول شهر مارس وعلى الرغم من أن المشاهد كانت في ذلك الوقت بديعة وجميله، إلا أن ذلك الرجل كان مضطر إلى النظر من نافذة الحمام الخاص بمنزله إلى قاعة الزهور الجنائزية، وقد كانت قد مرت الشهور وبدت الزهور تتحلل، وفي ذلك الوقت كان يدون الرجل كل حدث يحدث معه في وثيقة، وفي تلك الأثناء شاهد باقة من أحد أنواع الزهور التي تعرف بزهور الجريس وأخرى تعرف باسم الورود الحمراء، وقد كانت تلك الزهور قد تمددت لمدة تقارب على الأربعة أو خمسة أيام، وهنا بدأ يتساءل عن الوقت الذي سوف تتبدل به الألوان حين تذوي الباقة.
وفي تلك الأثناء تمنى الرجل لو أن تلك الزهور كانت تعيش فوق نباتات حية، كما كان الرجل في تلك اللحظة بينما يتابع النظر إلى الزهور يشاهد هناك الكثير من الفتيات اللواتي يمضين إلى الحمام، وقد كان عدد قليل من الرجال يمضون إليه، وكان يطول مكوث النساء المتقدمات في السن في المرحاض، بينما معظم الفتيات الصغيرات في السن يقضين هناك لحظة قليلة، ثم بعد ذلك يضعن لمسات التجميل على وجوههن ويغادرن.
وبعد مضي ما يقارب على العام بدأ يشاهد مجموعة من النسوة يرتدين ثياب الحداد، وفي أثناء الجنائز يقومن بالتجميل في الحمام كما يستخدمن أصابع من أحمر الشفاه التي كانت قاتمة اللون، وهنا أخذت الرعشة تدب في جسد الرجل، وأخذ يتراجع للخلف؛ وذلك بسبب أنه صرح بأنه رأى تلك الشفتين الدمويتين وكأن أحد الأشخاص قضم إحدى الجثث، على الرغم من أنه كان يبدو على جميع النساء الهدوء، ولكن ما يبدو له أنه أجسادهن قد ارتكبت العديد من الخطايا.
وفي ذلك الوقت بدا أن تلك النساء تدخل الحمام وكأنهن يقترفن فعلة شريرة أثناء اختبائهن، وهنا صرح الرجل أنه لا يرغب في رؤيته مثل هذا التحميل الفظيع، ولكن ما اضطره لذلك هو أن كلتا النافذتين تواجه احدهما الأخرى طوال الحياة، وبناءً على ذلك فإن مثل هذه المناظر المثيرة للاشمئزاز ليست من الأمور نادرة الوقوع على الإطلاق، بل مستمرة الحدوث، ولكن في النهاية سارع الرجل على الدوام بالنظر بعيدًا.
وهنا بدأ يفكر الرجل في أن يقوم بإرسال عدة رسائل إلى النساء اللواتي يرقن له، وفي تلك الرسائل يبلغهن فيها بأنه ينبغي عليهن ألا يمضين إلى الحمام الواقع في تلك القاعة، حتى لو كان السبب في حضورهن هو أن يكونن شهود على الجنازة؛ وذلك من أجل إبعاد هذا النوع من النساء عن الجنائز، وقد كان باستمرار يصفهن بأنهن شمطات.
وفي أحد الأيام بينما عاد للنظر من النافذة رأى فتاة صغيرة في العمر تمسح دموعها بمنديل أبيض، وعلى الرغم من أنها قامت بمسح عينيها مرارًا وتكرارًا، إلا أن دموعها واصلت التدفق، وقد كانت ترتجف كتفاها وهي تنغمر في البكاء، وفي نهاية المطاف حينما أطبق الحزن قبضته عليها، انحنت نحو الجدار، واستسلمت لذرف دموعها من دون قدرة على تجفيف وجنتيها أو إيقاف نفسها عن البكاء.
وقد كانت تلك الفتاة هي الفتاة الوحيدة التي لم تقدم إلى ذلك المكان وتختبئ في الحمام وتضع لمسات من أدوات التجميل، وإنما من المؤكد أن سبب قدومها هو من أجل أن تحتجب عن أنظار المتواجدين وتنخرط في البكاء، ولكن في آخر لحظة ومن دون توقع أخرجت الفتاة مرآة صغيرة ورسمت على شفتيها ابتسامة سريعة، وسرعان ما غادرت الحمام، فاستبدت بالرجل الدهشة وشعرت بأن أحدهم ألقى عليه ماء بارد، وكدت أهتف إليها مناديًا من أجل أن يسألها عن سبب تلك الابتسامة المحيرة.