من غير العدل أن يتم الحكم على الآخرين من خلال المظهر الخارجي، فهناك الكثيرون يكون مظهرهم الخارجي يوحي إلى عدم الاهتمام أو اللامبالاة، ولكنه ليس كذلك وإنّما نتيجة حالة وظروف بائسة يعيشها الإنسان ولا يقوى على البوح بها لأحد.
قصة تيدي ستودارد
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الفتية الذي يدعى تيدي، وقد كان تيدي أحد الطلاب الذي ينتمي إلى إحدى المدارس في واحدة من الولايات التابعة إلى أمريكا، وقد كان ذلك الطالب من الطلاب الملفتين للنظر من جميع الاتجاهات، فمن الجهة الأولى كان على الدوام يتميز بمظهر مهمل للغاية من الخارج، وقد كان ذلك الأمر يعكس تلك الحياة البائسة التي يعيشها، فقد كان على الدوام يرتدي ملابس ممزقة وبالية ومتسخة.
ومن الجهة الأخرى كان من أكثر الطلاب الذي يتميز بمستوى تعليمي ودراسي متدني بدرجة كبيرة من بين الطلاب، وكل تلك الأمور كانت تجعله مختلف بشكل كلي عن بقية زملائه، كما أن كانت كافة تلك الأمور تنعكس عليه بشكل سلبي، إذ جعلت منه طفل انطوائي ومنعزل ومنفرد بنفسه عن بقية الطلاب، وفي كل مرة يحاول أن يتواصل معه أحد من الطلاب لا يقوى على التعامل مع الآخرين على الإطلاق، كما كان هناك أمر تتخلله الحيرة بين الطلاب وأساتذة الطالب وهو أنه كان تيدي بين الحين والآخر يطلب الذهاب للحمام.
وبعد أن قضى تيدي فترة على هذا الحال لفت انتباه واحدة من بين مدرساته، والتي كانت تكن له بغضه جراء حالته وأوضاعه ومستواه التعليمي، وفي يوم من الأيام حينما دخلت تلك المعلمة إلى الصف قامت وعبرت لكافة الطلاب في الصف عن مدى حبها الشديد والعميق لهم، ولكن تلك المدرسة كانت من داخلها لا تشمل التلميذ تيدي معهم، وتستثنيه من بين جميع الطلاب حتى بالنظر إليه؛ وذلك لما اشتهر به من إهمال وهيئة ومظهر غير مستحب.
وعلاوة على ذلك كانت المعلمة باستمرار كانت تفخر عند تصحيح أوراق امتحانات للطلاب؛ وذلك من أجل أن تحصل على ورقته وتفرغ ما بداخلها حوله، إذ كانت تقوم بتصحيح ورقة باللون الأحمر دوناً عن بقية أوراق الطلاب الآخرين، وفي كل مرة تعطيه علامة الرسوب، دون حتى النظر إلى تلك الإجابات التي تحتويها الورقة.
وفي يوم من الأيام قامت مديرة المديرة بتوكيل تلك المعلمة ذاتها من أجل ان تقوم بمراجعة كافة السجلات الخاصة التي تعود للطلاب، وافقت المعلمة على تلك المهمة وقامت بتوكيل أمور الطلاب في الصف إلى واحدة من زميلاتها المعلمات في المدرسة، وفي ذلك الوقت بينما كانت غارقة بها في مراجعة السجلات، لفت انتباهها شيء غريب، وهذا الأمر قد استوقفها لفترة لا بأس به من الوقت، إذ اعترتها دهشة شديدة؛ وذلك جراء وصولها إلى ذلك السجل الخاص بالتلميذ تيدي، حيث أنها لاحظت بين ثناياه أنه كان هناك واحد من المدرسين الذي كان يقوم بتدريس تيدي حينما كان في الصف الأول، وذلك المعلم قد كتب في السجل التابع له أنه من أكثر الطلاب الأذكياء والموهوبين بشدة، وقد كان ذلك الأمر قد لفت انتباه المعلمة.
وفي تلك اللحظة بدأ الشغف يسيطر على المعلمة، وأخذت تركز اهتمامها على ذلك السجل، وحينما وصلت إلى تقدير الطالب في الصف الثاني وجدت أن المعلم قد كتب عنه أنه تلميذ متفوق بدرجة كبيرة وأنه من التلاميذ الذين يتميزون بدرجة عالية من الذكاء والفطنة، كما أنه ودود ولطيف لدرجة كبيرة في التعامل مع مدرسيه وزملاءه، ولكنه في يوم من الأيام وبشكل مفاجئ أصبح ذلك الطالب منزعج ومضطرب إلى حد كبير، وحينما تم الاستعلام عن الأمر تبين أن والدته اكتشفت أنها مصابة بواحد من الأمراض الخطيرة وهو ما يعرف بمرض السرطان، كما تم العلم أن حالتها الصحية في سوء وتدهور يوماً بعد يوم، هنا صعقت المعلمة مما قرأت وأخذها الشغف من أجل تكملة قراءة سجل الطالب.
وفي تلك الأثناء كانت قد وصلت المعلمة إلى ذلك التقرير الذي كتبه عنه مدرس الصف الثالث، حيث قال فيه أنه هذا الطالب مختلف عن غيره من الطلاب، إذ بعد أن ما سمعته عنه من تميز وذكاء بدأ فجأة يعاني كثيرًا ويبدو أنه في حالة متأثرة للغاية، كما كانت تظهر أن حالته النفسية بدأت تزداد سوءً يوماً بعد يوم، وبعد الاستفسار عن تلك الحالة المفاجئة لذلك الطالب تبين أن والدته قد توفيت بعد صراع مع المرض.
ومنذ ذلك الوقت وبدأ التلميذ وكأنه انقلب رأساً على عقب، كما تم ذكر في ذلك السجل أن والد الطالب حاول في العديد من المرات أن يقوم بدور الأب والأم معاً وأن يعوضه عن فراق والدته وأن يقدم له الاهتمام والرعاية الواجبة، ولكن لم ينجح في ذلك وقد باءت كافة محاولاته بالفشل، ولم تجد نفعاً.
وفي ذلك الوقت أتمت من تقرير التلميذ في الصف الثالث وانتقلت لترى تقرير المعلم المخصص للصف الرابع، والذي بدوره كان قد كتب عنه إن ذلك التلميذ منطوي للغاية على نفسه، ولا يوجد لديه أي علاقة مع أي طالب يذكر، وعلى الدوام منعزل ومنفرد بنفسه، وفضلًا على كل ذلك أن ذلك التلميذ يقضي معظم أوقاته في النوم على مقعده في الصف ولا يفرق معه التوقيت.
إذ يقوم بذلك أثناء الحصص الدراسية وخلال الفسحة المدرسية، وهنا توقفت المعلمة للحظات عن قراءة سجل التلميذ، وبدأ يعتريها الشعور بالخجل؛ وذلك لأنها كانت تنظر ذات النظرة تلك التي ينظرها الآخرين لذلك التلميذ، دون أن تعرف ما هو السبب الذي قاد التلميذ حتى يصل إلى تلك الحالة، والتي كانت قصته يندى لها الجبين، كما أنها شعرت بالندم على أنها لم تفكر في يوم من الأيام أن تمد له يد العون والمساعدة، بل على العكس من ذلك رفضت وجوده حالها كحال الآخرين.
وذات يوم كان يصادف عيد ميلاد المعلمة، وفي ذلك اليوم قدم لها جميع الطلاب الهدايا والعطايا الفخمة والنفيسة ما عدا تيدي، فقد كانت هديته تتجسد في كيس من تلك الأكياس التي تستخدم في البقالات، وفي ذلك الكيس كانت هديته تتمثل في عقد من الماسات غير المتكاملة، بالإضافة إلى زجاجة تحتوي على كمية بسيطة من العطر، وأول ما قدم تلك الهدية إلى المعلمة وقامت بفتحها أمام الطلاب، سرعان ما هموا جميعهم بالضحك والسخرية والاستهزاء منه.
ولكن ما قامت به المعلمة هو أنها عبرت عن فرحتها الشديدة بتلك الهدية، وقامت على الفور بوضع القليل من العطر، كما قامت بارتداء العقد في عنقها، وهنا حينما شاهد تيدي ذلك شعر بفرحة كبيرة وبدأت السعادة تغمره، وبعد الانتهاء من الحصص المدرسية انتظر التلميذ المعلمة بالخارج، وأول ما خرجت لتعود إلى منزلها أخبرها أن رائحتها تشبه تماماً رائحة والدته، وفي تلك اللحظة انهمرت المعلمة في البكاء وأخذت بأخذ عهد على نفسها أن تقدم له الاهتمام والرعاية، وبالفعل استمرت بذلك لعدة سنوات حتى أن أصبح طبيبًا، ولم ينسى هو بدوره فضلها عليه، فقد كان يقدم لها أفخم الهدايا والعطايا، ولكن المعلمة كانت ترى أن الفضل يعود إليه في تصحيحه له بنظرتها عن الآخرين.