جحا له الكثير من القصص الشيقة مع مختلف فئات الناس، فله مع زوجته ومع أصدقائه ومع جيرانه ومع الباعة وحتّى مع الملوك، وفي هذه القصة تحكي عن حيلة من حيل جحا مع وزير الخليفة التي قام بها جحا بكل ذكاء.
جحا والعبد مرجان والوزير صياح:
كان جحا يشتهر بين الناس بأنّ له الكثير من الأحاديث التي لا يستطيع أحد تصديقها؛ وذلك لشدة مبالغته، وكان لجحا عبد اسمه مرجان قال له في يوم من الأيام: يا سيدي جحا لقد بدأ الناس يتحدّثون عن مبالغتك في الكلام وأصبحوا لا يصدقونك في شيء، فقال له جحا: إذاً لتبقى قريب مني في كل مجالسي وعندما تشعر أنّني أبالغ بالكلام قل كلمة (إحم إحم).
قال له العبد مرجان: أولاً تستطيع أن تراقب نفسك، قال له جحا: لا بل حذّرني عندما تشعر أنّني قد بالغت، وفي يوم من الأيام جلس جحا مع مجموعة من الناس وبدؤوا يسألونه عن أخباره، فقال لهم جحا: أولا تعرفون ما هي أخباري، أنا قد بنيت مسجد طوله يصل إلى عشرة آلاف كيلو، فبدأ العبد مرجان بتحذيره وقال: إحم إحم، وسأله الناس عن عرضه فأجاب: عرضه متر، فنظر جحا للعبد مرجان و فهم لذلك قال: هذا بسبب من بناه فهو من جعله ضيقاً فضحك الجميع من مقالة جحا.
شعر الجميع بالجوع وكانت زوجة جحا تطهو اللحم، وكانت رائحة اللحم شهية وزوجته معروفة بحبها الشديد لأكل اللحم، فبدأت بأكل اللحم قطعة تلو الأخرى، وكان جحا قد أحضر لها ثلاثة كيلوجرامات من اللحم، فعندما سأل زوجته عن الطعام قال له: لقد أكلته القطة، فذهب جحا للقطة ليتأكّد بنفسه وجدها تصرخ من الجوع، وقام بوضعها على الميزان فوجد أن وزنها 2 كيلو فقط، فقال لزوجته: كيف للقط أن يأكل أكثر من وزنه، فتخاصم مع زوجته وقال لها أنت زوجة أكولة.
خرج جحا مع العبد مرجان لشراء الطعام لضيوفه، وبينما هم في طريقه إذ قابلوا الخليفة، وكان جحا مشهور جدّاً في المدينة حيث كلما يراه الخليفة يسلم عليه، فسلّم عليه وسأله: كيف حال الاثنين يا جحا، قال له جحا: لقد أصبحوا ثلاثة، ثم سأله: كيف حال القوي، فأجابه: لقد أصبح ضعيفاً يا سيدي، ثم سأله: وكيف أصبح البعيد فأجابه جحا: لقد أصبح قريباً.
فقال له الخليفة: لا تبع بسعر رخيص، فأجابه جحا: لا تخف يا سيدي فأنا حريص على ذلك، كان مع الخليفة وزيره واسمه صياح، وكان متفاجئاً من كلام الخليفة مع جحا، فذهب مسرعاً لمنزل جحا وهو متنكّراً وسأل جحا: لقد كنت أراك تتحدّث مع الخليفة وسمعت ما قلت وأريد أن أفهم ما قلته، فقال له جحا: هذا ليس من شأنك فهذا بيني وبين الخليفة.
فقرّر الوزير صياح عن كشف اللثام والتعريف بنفسه وقال لجحا: أنا وزير الخليفة ويجب أن أعرف ماذا يدور بينكما من كلام، فقال له جحا: أنا أعتذر منك يا سيدي فهذا سر بيني وبين الخليفة، فحذره الوزير وقال له: أنا الوزير وأنصحك أن تكشف لي هذا السر وأنا أعدك أن أعطيك مالاً كثيراً إن كشفت لي السر، فقال له جحا: سأجيبك عن السؤال الأول ولكنه مكلف فهو بألف دينار، فقال له الوزير: حسناً سأعطيك.
قال له جحا: لقد كنت أقصد بالسؤال الأول وهو كيف حال الاثنين وهم أرجلي، فقل للخليفة: لقد أصبحوا ثلاثة وأنا أقصد أنني أمشي بأرجل والعصا هي الثالثة، فقال له الوزير: ومن هو القوي، فقال له جحا: هذا ثمنه أكثر فهو بخمسة آلاف دينار، فأعطاه الوزير النقود، فقال له جحا: أنا أقصد بالقوي وهو سمعي كان قوياً وأصبح ضعيفاً، فسأله الوزير من هو البعيد الذي أصبح قريباً؟ قال له جحا: هذا لن تستطيع أن تدفع ثمنه فهو بعشرة آلاف دينار.
فأعطاه الوزير كل النقود لشدة فضوله، فقال له جحا: أنا أقصد بالبعيد وهو النظر كان بعيداً ولكنّه الآن ضعف وأصبحت لا أرى إلّا القريب، فقال له الوزير: إذاً أنا أريد أن أعرف ما هو الذي لا تبيعه برخيص، فهل لمولاي الخليفة تجارة معك؟، قال له جحا: لا أستطيع الإجابة، وإلّا أعطيني مئة ألف دينار، فقال له الوزير: ولكننّي لا أملك هذا الثمن الآن، فكتب رسالة لزوجة جحا بمئة ألف دينار، فعرفت زوجة جحا خط الوزير وقامت بإعطاء العبد مرجان المبلغ كاملاً فأخذه جحا ووضعه بجانب بقية النقود.
فسأله الوزير ما هو معنى السؤال الأخير، قال له جحا: لقد كان الخليفة يعرف أنك ستقوم بسؤالي عن هذه الأسئلة وأمرني بأن أطلب مبلغاً جيّداً، وأنا عملت بوصيته، خرج الوزير وقال: لقد خسرت مالي ولكن أشعر بالراحة لأنّني فهمت مقصد الخليفة وكنت أظن أن الخليفة يدبر لي مؤامرة.