قصة جرأة للمؤلف البرازيلي لويس فيليلا

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والأديب لويس فيليلا وهو من مواليد دولة البرازيل من أهم الكُتاب الذين برزوا في القرن التاسع عشر، حيث صدر عنه العديد من الروايات والقصص القصيرة، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها هي قصة جرأة.

 قصة جرأة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في اللحظة التي كان يضع بها الرجل وهو بطل القصة المجلة على المنضدة، وذلك من دون أن يحدث أي صوت، ثم بعد ذلك أعاد توجيه ضوء اللمبة نحو الأرض، وتوجه نحو فراشة ووسادته التي كانت مسنودة إلى رأس التخت، وأخذ ينظر إلى الشيء الذي كان أمامه مباشرة على مستوى رؤيته، كما كانت قدميه تحت غطاء السرير، واستدار قليلا ينظر إلى زوجته والتي تدعى زازا، والتي في ذلك الوقت كان وجهها في الاتجاه الآخر وبدت وكأنها تنغمر في النوم.

وفي تلك اللحظة حاول الزوج أن يتأكد من نومها فقال بكل رقة: زازا، حيث كان ذلك بطريقة تجعلها تجيب في حال ما تزال مستيقظة، لكن بطريقة لا تجعلها تستيقظ في حال كانت نائمة، وهنا كانت زازا مستيقظة فردت: نعم، ولكن دون إصدار أي حركة، فسألها الزوج: هل أنتِ نائمة؟ فأجابت: لا ليس بعد، لكن بدا من نبرة صوتها وكأنها توشك على النوم، حيث لاحظ الرجل ذلك من خلال الملاءة تنفسها الهادئ المنتظم.

وفي تلك الأثناء شبك الزوج يديه خلف رأسه، وقال: زازا كنت أفكر، وهنا شعر أنها اغمضت عيناها، مما جعله يستدير نحوها، أخذ يضع يده عليها برقة من فوق الملاءة، وكرر سؤال: هل عدتِ إلى النوم يا عزيزتي، وهنا فتحت الزوجة عينيها دون أن تقوم بتحريك رأسها، وردت عليه: لا لست نائمة فقط قمت بإغماض عيني، فقال: لا تنامي ليس بعد، حركت المرأة رأسها على الوسادة، كموافقة منها وعادت وأغمضت عينيها مرة ثانية، وهنا عاد وأسند رأسه مرة أخرى على الوسادة وشبك يديه خلف رأسه.

وهنا بدأ بالحديث معها فقال: كما تعرفين كنت اليوم أفكر، وكرر سؤاله المعتاد: هل تسمعيني يا زازا؟ فردت: نعم ولكن غمضت عينها مرة أخرى، وأخذ يكمل حديثه: كنت أفكر في مجموعة كبيرة من الأمور، وقد كان الزوج في تلك اللحظة يتكلم فيما كان يوجه نظره باتجاه قدميه من فوق الإملاءات، ومن وقت لآخر وكأنما كان يلويهما لكن دون أن ينتبه إلى ذلك، وأكمل حديثه: ينبغي علينا أن نثير تغيير في حياتنا يا زازا، إذ يجب علينا أن نقوم بفعل أمور جديدة تجعل حياتنا مختلفة، فينبغي أن نخرج من هذا الروتين الممل الذي يسمم حياة المرء دون علمه.

وأكمل كلامه بقول: إن الروتين أحد أكبر الشرور التي توجد في الحياة، إنه هو من يقوم بقتل النفس داخل الإنسان، كما أنه يجعلنا نشيخ قبل الأوان، فدعينا نتركه للزمن الذي نشيخ فيه، فنحن لم نصل إلى سن الشيخوخة بعد، إذ ما زال أمامنا الكثير من السنين، تعلمي أن حياتنا الآن تبدأ في سن الأربعين، وهنا نظر إلى زوجته من الجانب وقال: زازا هل تستمعين إليّ أم أنك نمت؟.

تحركت الزوجة حتى تشعره بأنها تسمعه، فأكمل قوله: علينا أن ندخل في حياتنا بعض التغيرات، علينا أن نبتكر وأن نعمل أمور جديدة، أن نستغل الشباب الذي ما زال في داخلنا، فالإنسان دائماً يتوق إلى الأمر والأحداث الجديدة وإلى التنويع إلى الأشياء الطريفة، وهنا توقف للحظة إذا بدا يختار من بين مجموعة متعددة من الأشياء الجديدة، بعد ذلك مرة أخرى نظر إلى زوجته، لكنه لم يقل لها شيئًا هذه المرة.

وفي ذلك الوقت بدأ بالتلعثم لأنه لا يجد شيء يقوله، فقال: حتى في أصغر الأمور أو حتى في معظم الأمور، وهنا اعتقد أنه من الأفضل له ولها ألا يقول ما يريد بالضبط، وبدأ جملة جديدة فقال: هذه الأمور تجعل الإنسان يعيش أكثر ويتمتع بالشباب والحيوية والنشاط على الدوام، فيجب على الإنسان أن يمتلك الشجاعة وأن يمتلك الجرأة كذلك.

وعاد مرة أخرى للحيرة  إذ بدا أنه لا يعرف ما يريد أن يقول، أو أنه يخاف من أن يقوله، وهنا وجهه نظرة نحو زوجته وأخذ يراقبها بعض الشيء، غير أنها تنهدت دون أي حركة، ومع ذلك رجع إلى حالته السابقة، وفي وقتها حركت رجليها قليلًا، لكنها لم تستدر نحوه كما أعتقد وخاف أن تفعل ذلك، فاسترخى وكأنه نجا من خطر قادم.

وفي ذلك الوقت أخذ يوجه نظره نحو قدميه، ويحركهما بالعصبية الهائلة المكبوتة داخله، وقال: زازا هل تذكرين مانويلينو؟ لم تجيب الزوجة، وهنا انحنى رأسه من على الوسادة، وكرر السؤال مرة أخرى بصوت موجه مباشرة إلى زازا: ماذا ؟ هل تتذكرين مانويلينو؟ مانويلينووتريثت؟.

انتظرت الزوجة لحظة ثم قالت: أتذكر حيث كانت تريد أن تؤكد ذلك من أجله أكثر مما لنفسها، لتعفيه من أن يقوم بسؤالها مرة ثانية، عما إذا كانت نائمة، وقالت: صديقك أتذكره جيداً وإنني سعيدة بأنك تذكرت ذلك الشخص الذي في البنك، قال الزوج مندهشاً: في البنك لا يا زازا كان ذلك ماركولين، ولكن أنا أتكلم عن مانويلينو ذاك الشخص الذي أتى إلى هنا في تلك المرة الذي كان يرتدي القبعة، وقد أضحكك كثيراً يومها، وهنا قالت: أتذكر نعم لقد تذكرت ذلك الشخص الذي كان يرتدي القبعة، وهنا قال الزوج: جيد إذن، إذ جرى بيننا من قبل مناقشة حول هذا الأمر تماماً، حول أن الإنسان يجب أن يغير حياته.

وفي تلك اللحظة ابتسم الزوج وقال: إنه بالفعل صديق حقيقي، كنا نتحدث عن كل هذه الأمور، ثم بدأت أفكر في هذا الكلام في الحقيقة فأنت تعلمين يا زوجتي أن هناك مجموعة ضخمة من الأمور التي لا نفعلها أقصد بضمير، ويمكن للإنسان أن يفعلها، نعم يمكن للمرء أن يقوم بفعلها هذه هي كل المسألة، لماذا توجد أمور لا يمكن للإنسان أن يقوم بها؟ حتى في حال رغب في أمر ما، فعلى سبيل المثال ما فائدة أن أرغب في الذهاب إلى اليابان، إن لم يكن لدي المال الكافي لهذا.

قالت الزوجة: اليابان وهنا اغمضت عيناها، وأكمل الزوج حديثه: أو من ناحية أخرى أن أرغب في أن يكون لدي ظبي من أصول إفريقية ما فائدة ذلك، أو أن أرغب، وهنا توقف عن الحديث إذ لم يستطع أن يذكر ما يرغب به، وقال: وكذلك الحال حينما يرغب الإنسان في أمور مستحيلة فهذا يكون تخريف كلام وأفكار صبيانية، أما الأمر الممكن فإنني أستطيع أن أرغب فيه الكلمة ذاتها تقول ذلك ممكن بمعنى ما يمكن للمرء أن يحصل عليه، فهناك أمور يمكنني أن أرغب فيها، ولكن ليس باستطاعتي الحصول عليها، وهناك أمور مجبر على أن أرغب فيها.

وهناك أيضاً أمور كثيرة جدًا يمكن للإنسان أن يقوم بعملها، أمور جيدة هذا ما أقوله، فهذا الأمر بديهي أمور كثيرة جدًا لا يقوم الإنسان بعملها ولماذا، لماذا لا يفعلها؟ من المؤكد أنه جراء العرف، الخوف، الإهمال والآراء المسبقة، لقد تحدثنا كثيرًا عن هذا الموضوع أنا ومانويلينو، فهناك الكثير من القيود التي تتحكم بحياتنا، وذلك الأمر يلغي الألفة بين الأزواج واهتمام كل منهم بالآخر إلى أن تصبح حياتهم روتين يومي ممل، وهذا ما أراد أن يوصله لزوجته منذ البداية، لكن لم يكن يمتلك الجرأة في قوله مرة واحدة إلا بعد تمهيدات طويلة.

المصدر: كتاب الأدب البرازيلي، شاكر مصطفى، سنة النشر 1970


شارك المقالة: