قصة جزيرة المليون جثة

اقرأ في هذا المقال


هناك العديد من الجزر والأراضي المهجورة الذي كان يتم اعتمادها من أجل أن تكون أراضي ينفى إليها أعداد هائلة من المرضى والمساجين، وفي هذه القصة سوف نتحدث عن واحدة من الجزر التي كان يتم اعتمادها لعدة مجالات في مختلف الظروف للدول، مثل انتشار الأوبئة وتفشي الأمراض والجرحى الخطرين من أثر الحروب.

قصة جزيرة المليون جثة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى الجزر والتي تعرف باسم جزيرة هارت، وقد كانت تلك الجزيرة من الجزر التي أطلق عليها لقب جزيرة المليون جثة؛ ويعود ذلك الأمر إلى العديد من الأسباب ومن أبرزها كانت أنها من الجزر التي قام العديد من الأشخاص بزيارتها ولقوا حتفه فيها، وفي الكثير من الأحيان كذلك كانوا يطلقون عليها اسم جزيرة الموت، وقد تم اطلاق ذلك الاسم على تلك الجزيرة في زمن الحرب الأهلية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنه في ذلك الوقت تم اختيار تلك الجزيرة المثيرة حتى تكون السجن المعتمد لهؤلاء الذين تم إلقاء القبض عليهم في الحرب التي حدثت في عام 1865م.

إذ أنه في ذلك الوقت كانت السجون كانت غير مهيأة ومجهزة من أجل استقبال تلك الأعداد الكبيرة والضخمة من المساجين، وقد كان يعود ذلك إلى أمرين أولهما هو النقص في المساحات، فقد كانت المساحة التي يبنى بها السجن محدودة وغير واسعة لتتحمل تلك الأعداد الهائلة، والسبب الثاني يعود إلى الموارد، فقد كانت الموارد لا تكفي حتى يتم إمداد تلك الأعداد من المساجين، وقد تم الإعلان أمام العامة من الشعب أنه لهذين السببين وقع الاختيار على تلك الجزيرة.

ولكن في الحقيقة هو أنه كان قسم من السجناء في تلك الفترة هم ممن يعانون من جروح عميقة وخطيرة، والقسم الآخر من السجناء كانوا ممن يحتضرون ويشارفون على الموت، ولهذا كانوا المسؤولين يشيرون إلى أنهم في النهاية جميعهم سوف يموتون جميعًا، ومن الأفضل أن يتم دفنهم في هذه الجزيرة وجمعهم في مقابر جماعية في محيط السجن.

وفي السبعينات من القرن الثامن عشر تم اعتماد تلك الجزيرة بشكل رسمي كسجن، وقد تم إطلاق عليه اسم سجن هارت، وفي تلك الفترة كان الكثير من الشعوب يتساءلون كيف أنه لجزيرة نائية وليس بها أي موارد أن تتحمل هذا الكم الهائل من المساجين، ولكن على الرغم من التركيز وإثارة الجدل حول الموارد التي توجد في تلك الجزيرة، فأن السجلات التي كانت تتبع إلى ذلك السجن تشير إلى أن هناك يوجد ما يقارب على المائتين ألف سجين داخل أسواره.

ولكن في كل يوم كانت مجموعة منهم يلقون حتفهم ويتم دفنهم، ومع مرور الوقت جاء ذلك اليوم الذي توفي به كافة هؤلاء المساجين، ونظراً إلى امتلاء ساحة السجن المقام هناك تم دفن الموتى في محيط السجن، وبعد أن فضيت تلك الجزيرة من السجناء مع نهاية السبعينات في القرن الثامن عشر، قاموا مجموعة من المسؤولين بإصدار قرار بالعمل على إغلاق ذلك السجن بشكل رسمي ونهائي.

وبعد مرور فترة من الزمن لا بأس بها قاموا مجموعة من المسؤولين والإداريين في السلطات التابعة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بإيعاز تحويل ذلك المكان إلى مقر رئيسي ومعتمد، كما تم الإقرار بتقسيم ذلك المقر إلى ثلاثة أقسام، وفي القسم الأول من ذلك المقر سوف يتم عزل واحتجاز أعداد هائلة من المرضى، وقد كان هؤلاء المرضى من أولئك المصابون بأمراض متنوعة مثل المصابون بأحد أنواع الأمراض الخطيرة والذي يعرف باسم مرض الحمى الصفراء وآخرون ممن هم مصابون بمرض التهاب الكبد الوبائي فيرس بي، بالإضافة إلى مجموعة من المرضى الذين كانوا مصابين بمرض السل الرئوي، والذي كان منتشر بكثرة في تلك الفترة من الزمن.

وقد كانت تلك الأمراض تعرف بأنها من الأمراض الخطيرة ولا يوجد أمل في الشفاء منها على الاطلاق، وحينما تباحث الأطباء حولا أوضاع أولئك المرضى الصحية، أكدوا جميعهم أن هؤلاء المرضى بأكملهم لا يمكنهم الشفاء من أمراضهم، إذ وصلوا إلى مرحلة متأخرة من المرض، وفي الجزء الثاني من تلك الجزيرة سوف يتم تجهيز مكان لهؤلاء المصابون بالأمراض العقلية والنفسية والذين لا يوجد أمل في شفائهم كذلك، وفي القسم الثالث من تلك الجزيرة كان يتم تخصيصها من أجل الحفر وتجهيزها حتى تكون مقابر جماعية في حال تفشي الأوبئة في المنطقة.

ومنذ ذلك الوقت وقد بقي المكان لمدة تقارب على الخمسة عشر عاماً متتالياً يفتح أبوابه أمام كل شخص يعاني من أي نوع من أنواع تلك الأمراض، وبالفعل كان يتم وضع به مرضى بشكل يومي واستمر في استقبال المرضى ودفن الموتى على مدار تلك الأعوام، ولكن جاء ذلك اليوم الذي اكتمل السجن وكافة المناطق المحيطة به وامتلأت تماماً بالموتى المدفونون، وحينما تم التوجه إلى الإدارة في الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى حل لتلك الأزمة كل ما أوعزوا به هو أن يتم دفن الموتى الجدد فوق الموتى القدماء، ولكن في ذلك الوقت تم الإشارة إلى أن الموتى القدماء ما زالت جثثهم لم تتحلل، ولكن المسؤولين أشاروا إلى أنه لا داعي للانتظار حتى تتحلل تلك الجثث، فالأمور تتفاقم في البلاد والوباء يزداد تفشياً.

وفي كل يوم كانوا الموتى يزدادون إلى أن وصل الأمر بالإدارة في ذلك السجن إلى أن يقوموا باللجوء إلى الخنادق من أجل دفن جثث الموتى، ويوماً بعد يوم كانت رائحة تلك الجزيرة كرائحة العفن ويصدر عن موت وتحلل تلك الجثث روائح كريهة إلى حد لا يطاق، وعلاوة على تلك الروائح الكريهة كانت أصوت المكان عبارة عن مزيج بين صراخ المرضى ومن يشرفون على الموت وبكائهم، بالإضافة إلى صوت الأسلحة، وفي ظل كافة تلك الظروف كانوا الأطباء مجبرون على ممارسة عملهم على أكمل وجه، على الرغم من أن الغالبية العظمى من العاملين في تلك الجزيرة كانوا يقدمون على الانتحار من أجل التخلص من الحالة التي يعيشونها.

فقد كانت تلك هي الطريقة الوحيدة من أجل أن يتخلصوا من تلك الحياة التي يعيشونها بين هؤلاء المرضى، وبالطبع ذلك الأمر قد جلب العديد من المظاهر ماورائية كما وخيم عالم الأشباح والجن على تلك الجزيرة، وفوق ذلك كله كانوا العمال المتبقين على رأس عملهم يصابون بموجات الهلل في فترات الليل.

وفي النهاية كان يتم في كل يوم توسيعات على تلك الجزيرة حتى امتدت لتشمل مقر لإعادة تأهيل المدمنين على الممنوعات والكحول كذلك، وبدأت الأشياء الغريبة في الزيادة وبدأت حالات الانتحار في التضخم بمعدل مهول وبعد عشرة سنوات تم إغلاق كافة الأماكن الموجودة على تلك الجزيرة وتحولت لمدفن جماعي فقط، وهو وظيفتها حتى يومنا الحاضر كما تحولت لمدفن للمتشردين وضحايا الحوادث والأطفال الرضع وحالات الإجهاض وغيرها أو من يريد أهلهم دفنهم بمقبرة عامة توفيرًا لمال الدفن، وفي بداية القرن العشرين تم حصر أعداد المدفونين بالجزيرة وقد قُدر بمليون شخص، وليومنا هذا تعتبر الجزيرة من الأماكن التي يتم زيارتها من قِبل العديد من الأشخاص وذلك تقديرًا واحترامًا للموتى.

المصدر: كتاب روائع من الأدب الأمريكي المعاصر - توني موريسون - 2014


شارك المقالة: