قصة جيرلوج بنت الملك (Geirlug The King’s Daughter) هي قصة خيالية آيسلندية تم جمعها في (Neuisländischen Volksmärchen) أدرجها أندرو لانغ في كتاب (The Olive Fairy Book).
الشخصيات:
- جيرلوج.
- الملك.
- الملكة.
- جريتاري.
- الساحرة.
قصة جيرلوج بنت الملك:
في أحد الأيام كان هناك ملك قوي وزوجته الجميلة يجلسان في حدائق عاصمتهما ويتحدثان عن الحياة المستقبلية لابنهما الصغير الذي كان ينام بجانبهما في مهده الذهبي الجميل، لقد تزوجا لسنوات عديدة بدون أطفال لذلك عندما جاء هذا الطفل ظنوا أنفسهم أسعد زوجين في العالم بأسره، كان فتى صغيرًا قويًا ورائعًا يحب الركل والضرب بقبضتيه وكانوا مستغرقين جدًا في وضع الخطط له، لدرجة أنهم لم يلاحظوا قط تنينًا ضخمًا يتسلل وله رأس رهيب متلألئ امتد بأسنانه فوقهم وفي لحظة اختطف طفلهم المحبوب.
بقي الملك والملكة في مكانهما صامتين من الرعب ثم نهض الملك ببطء ومد يده إلى زوجته وقادها وهي تبكي وتصرخ إلى القصر، في هذه الأثناء ارتفع التنين عالياً في الهواء ممسكًا المهد بين أسنانه، ولا يزال الطفل نائمًا، لقد طار بسرعة كبيرة لدرجة أنه سرعان ما عبر حدود مملكة أخرى، ومع مرور الزمن رزق الملك وملكتة بفتاة جميلة، وتكرر ما حدث مع أخيها.
ففي أحد الأيام بينما كان والديها يجلسان في الحديقة مع الفتاة الصغيرة التي كانت في المهد حيث انقض عليه من الخلف كما فعل من قبل وكان على وشك الاستيلاء على المهد، ولكن هذه المرة قفز الملك ووجه له ضربة بعصاه الذهبية حتى ترك التنين الصبي يسقط وذلك من شدة ألمه وهو يفرد جناحيه وصعد في الهواء بعيدًا عن الخطر.
نظر الملك مستديرًا إلى زوجته التي جلست شاحبة من الخوف وهي تشبك طفلتها بإحكام بين ذراعيها، فقالت الملكة: لكن انظر، ما هذا الشيء اللامع الموجود هناك؟ وعندما سار الملك في اتجاه اصبعها رأى مهدًا آخر وطفلًا آخر، فقال الملك: يجب أن يكون الوحش قد سرق هذا الطفل ايضًا لأنه سعى لسرقة ابنتنا جيرلوج، ثمّ انحنى إلى الأسفل وقرأ بعض الكلمات المكتوبة على الكتان الناعم الذي كان ملفوفًا حول الصبي، هذا هو جريتاري ابن الملك!
ولسوء الحظ حدث أن كان هذا الطفل هو ابن الملك المجاور الذي خاض حربًا خطيرة وتوقف الاتصال ببعضهما البعض لعدة سنوات، لذلك بدلاً من إرسال رسول على الفور إلى والد غريتاري ليخبره بسلامة ابنه، اكتفى الملك بتبني الطفل الذي نشأ مع الأميرة جيرلوغ.
سارت الأمور على ما يرام لفترة من الوقت مع الأطفال الذين كانوا سعداء، ولكن جاء وقت لم تعد الملكة قادرة على مجاراة الأطفال أو اللعب معهم في الحديقة لأنها كانت تشعر بالتعب والمرض، لكنها كانت تستلقى وتراقبهم من بعيد وتحدث الناس في القصر بأصوات منخفضة حول مرضها، و ذات صباح أرسل لهما الملك الذي أخبرهم وعيناه محمرتان من البكاء أن الملكة ماتت.
كان حزن الطفلين عظيمًا لأنهما كانا يحبان الملكة كثيرًا وبدت الحياة مملة بدونها، لكن مربيتهما التي اعتنت بهما في البرج الذي تم بناؤه لهما وهما ما زالا أطفالًا، كانت لطيفة وطيبة وعندما كان الملك مشغولًا أو بعيدًا في أجزاء أخرى من مملكته كانت تجعلهم سعداء وعلمتهما كل شيء يجب أن يعرفاه عن كونهما الأمير والأميرة، وهكذا مرت سنتان، عندما كان الأطفال في يوم من الأيام ينتظرون بفارغ الصبرعودة أبيهم من مدينة بعيدة، وعندما حضر والدهما كان معه زوجته الجديدة.
لم يكن هناك شيء غريب أو مروع في حقيقة أن الملك يجب أن يتزوج مرة أخرى، ولكن كما خمنت الأميرة، كانت الملكة على الرغم من جمالها ساحرة، وكما كانت تشعر بالغيرة من كل من قد يشغل زوجها، فقد كرهت الطفلين، وعندما اندلعت حرب بين بلدهم مع بلد آخر وذهب الملك على رأس جنوده، ثم حدث ما توقعته الأميرة منذ فترة طويلة.
وفي إحدى الليالي كانت الأميرة تنام بهدوء، بعد ذلك شعرت أنها ليست بخير وكانت متأكدة من أنه تم وضع شيء في طعامها حين زارتها زوجة أبيها إلى البرج، ولم يعرف أحد ما فعلته بالضبط ولكن عندما أشرقت الشمس، كانت أسرة جريتاري وجيرلوغ فارغة واختفى الطفلان، وعند الفجر استدعت الملكة بعض حراسها وبدلأ من البحث عن الطفلين أخبرتهم أنه تم تحذيرها في المنام من أن مصيرًا شريرًا سيصيبها من خلال وحش بري، وأمرتهم بالخروج وقتل كل حيوان على بعد ميلين من القصر بدلأ من البحث عن الطفلين .
وعندما خرج الحراس كانت الوحوش الوحيدة التي عثروا عليها مهران أسودان يتمتعان بجمال مذهل، وبدا لهم أن من المؤسف قتلهم، فما الضرر الذي يمكن أن يلحقه أي شخص بمهرين صغيرين؟ فتركوهم يهربون في السهل وعادوا إلى القصر، وعندما سألت الملكة الحراس: هل رأيتم شيئًا؟ فأجاب الحراس: لا شيء جلالتك، لكن الملكة لم تصدقهم، وعندما ذهبوا أمرت وكيلها بأن يضع في شراب الحراس مشروبًا قويًا حتى تخف ألسنتهم ويتكلموا بكل شيء، ثمّ أمرته أن ينتبه لثرثرتهم ويبلغها بكل ما يمكن أن يقولوه.
وبعدما نفذ الوكيل كلامها، عاد وقال للملك: قال لك الرجال الحقيقة، لقد استمعت إلى حديثهم من البداية إلى النهاية ولم يروا شيئًا سوى مهرين أسودين، ثمّ كانت النظرة في عيني الملكة المحترقة أرعبته لأنها عرفت أن الطفلين تحولا لمهرين فتراجع بسرعة وخرج وفي غضون أسبوع عاد الملك إلى منزله وكان رجال الحاشية مسرورين برؤيته.
وفي الليلة الأولى بعد وصول الملك روت الملكة الحلم الشرير الذي حلمت به في غيابه وتوسلت إليه أن يخرج في صباح اليوم التالي ويقتل كل كائن حي رآه على بعد ميلين من المدينة، ووعد الملك الذي كان يؤمن دائمًا بكل ما تقوله الملكة ويفعل ما يحلو لها، وعندما خرج يتجول في الحدائق الجميلة التي تحيط بالقصر، انجذب إلى غناء عصفورين صغيرين، مما جعله يفكر في كل شيء جميل سمع عنه، ومرت ساعة بعد ساعة وما زالت العصافير تغني، وما زال الملك يستمع رغم أنه بالطبع لم يخطر بباله مطلقًا أن العصفورين كانا جيرلوج وجريتاري اللذين تحولا بسحرزوجته لعصفورين.
وحل الظلام ثمّ استيقظ الملك ليجد أنه في ذلك اليوم لا يمكن الوفاء بوعده للملكة، وعندما عاد وسألته الملكة بلهفة بعد دخول القصر: حسنا ! هل رأيت أي شيء؟ فرد الملك: آه، يا عزيزتي أشعر بالخجل من الاعتراف لك، لكن الحقيقة هي أنه قبل أن أمشي جعلني غناء عصفورين صغيرين، أنسى كل شيء آخر في العالم وغدًا لا شيء يمنعني من تحقيق رغباتك، فتمتمت الملكة: لن يكون هناك غدًا، وهي تبتعد ببريق غريب في عينيها لكن الملك لم يسمعها.
وفي تلك الليللة أقام الملك عشاءً عظيمًا في القصر تكريماً للانتصار الذي حققه على العدو، كان الرجال الثلاثة الذين أرسلتهم الملكة لقتل الوحوش البرية يشغلون مناصب ثقة بالنسبة للملك في القصر، وبمناسبة الحفل كانت أماكنهم دائمًا بجوار الملك ، لذلك كان من السهل على الملكة أن تضع سمًا بطيئًا وقاتل للملك ولهما معه، وعند الفجر استيقظ القصر على نبأ وفاة الملك وأن ضباط الحراس الثلاثة ماتوا أيضا.
وبمجرد انتهاء الجنازة أعلنت الملكة أنها ستغلق على نفسها في قلعة بعيدة حتى انتهاء عام حدادها، وبعد تعيين وصي على المملكة، وبمجرد مغادرتها القصر سرعان ما بدأت في العمل على تعويذاتها لاكتشاف الشكل الذي كان يختبئ تحته جيرلوج وجريتاري، ولحسن الحظ كانت الأميرة جيرلوج قد درست السحر تحت إشراف مربييها لذا تمكنت من فهم حبكة زوجة أبيها الشريرة، وسرعان ما غيرت نفسها إلى حوت، وشقيقها المتبني إلى سمكة، ثم أخذت الملكة شكل سمكة قرش وطاردتها.
دارت معركة شرسة لعدة ساعات بينهما، ولكن انتصرت الأميرة التي جعلت زوجة والدها الشريرة منهكة بعد المعركة لدرجة أنه لم يكن لديها سوى القوة الكافية لسحب جسدها الجريح إلى خليج صغير هادئ، وبقيت هناك لمدة ثلاثة أيام ساكنة وبلا حراك كما لو كانت ميتة، في نهاية الأيام الثلاثة شُفيت جراحها وبدأت في التفكير في أفضل ما يمكن فعله.
قالت الأميرة لجريتاري: دعونا نعود إلى مملكة أبيك، عندما استعاد كلاهما شكلهما الصحيح، فقال غريتاري: كم أنت ذكية ! لم أفكر في ذلك أبدًا! ثمّ أخذت جيرلوج علبة صغيرة من المسحوق الأبيض من ثوبها، ورشت بعضها فوقه وبعضها على نفسها، ووجدوا أنفسهم أسرع من البرق في أراضي القصر التي نقل منها التنين غريتاري قبل سنوات عديدة، ثمّ قالت جيرلوج: الآن خذ هذا القماش بالأحرف الذهبية وأربطه حول جبهتك، واذهب بجرأة إلى القلعة، وتذكر مهما كان عطشك عظيمًا، فلا يجب أن تشرب شيئًا حتى تتكلم مع والدك أولاً، إذا قمت بذلك فسوف يصيبنا الشر.
وبعد تقدمه بضع خطوات نحو القصر ضرب صوت الماء المتدفق على أذنيه ورأى جدولًا يتساقط فوق صخرة وفي هذا المنظر تم نسيان وعده لجيرلوغ، ثمّ ألقى بنفسه بجانب الجدول وشرب من الماء، وفجأة اختفت ذكرى جيرلوج وحياته الماضية من عقله وبدلاً من ذلك تحرك شيء ما بداخله عند رؤية رجل وامرأة ذوي الشعر الأبيض اللذين وقفا في الباب المفتوح بأيدي وكانا والديه الذين نادوا عليه بأيدي ممدودة: جريتاري! إذًا لقد عدت إلى المنزل أخيرًا.
انتظرت جيرلوغ لمدة ثلاث ساعات في المكان الذي تركتها فيه جريتاري، ثم بدأت تفهم ما حدث وكان قلبها حزينًا، لكنها سرعان ما قررت ما يجب أن تفعله، وشقّت طريقها للخروج من الغابة وابتعدت عن الجدار العالي الذي يحيط بالمنتزه الملكي والحدائق، حتى وصلت إلى منزل صغير يعيش فيه مزارع وسألته: أتريد فتاة تحلب الأبقار؟ فأجاب المزاع: نعم، سنأخذك كخادم إذا أردت، ولكن أولاً ما اسمك؟ فأجابت بسرعة: لاوفيرثا.
وبعد بدأها العمل كانت ذكية جدًا لدرجة أنها بمرور الوقت، بدأ يظهر أن الفتاة الغريبة التي جاءت لتعيش في منزل المزارع لم تكن لها مثيل في المملكة بأكملها من حيث المهارة والجمال. وهكذا مرت السنوات وخلالها كبرت جيرلوج لتصبح امرأة، وبين الحين والآخر كانت تلمح جريتاري أثناء مجيئه للصيد في الغابة، ولكن عندما كانت تراه قادمًا كانت تختبأ خلف الأشجار الكبيرة لأن قلبها كان لا يزال يتألم من نسيانه لها.
ومع ذلك في أحد الأيام عندما كانت تجمع الأعشاب، جاء إليها فجأة قبل أن يكون لديها وقت للهروب وعلى الرغم من أنها تلطخ وجهها ويديها باللون البني، وغطت شعرها الجميل بقبعة قرمزية لم يعرف أنها أخته بالتبني، فسألها: ما اسمك أيتها الفتاة الجميلة؟ أجابت الفتاة: لافوريثا، فقال: أنتِ التي سمعت عنه كثيرًا، أنت جميلة جدًا بحيث لا يجب أن تقضي حياتك في خدمة المزارع، تعالي معي إلى القصر وستجعلك أمي الملكة إحدى سيداتها.
وافقت جيرلوج على الفور، وبعد مرور بعض الوقت في القصر كانت جيرلوج دائمًا ماتحاول تذكير جريتاري ببعض الأمور من حياتهما السابقة بشكل غير مباشر، وفي أحد الأيام كانت جيرلوج قد أحضرت معها سلة مغلقة وفتحته أمام الأمير حيث خرج منه ديك ودجاجة، فنقر الديك على الدجاجة وسحب ريش ذيلها، فسألت الدجاجة: هل ستعاملني معاملة سيئة مثل معاملة جريتاري لجيرلوج؟ في تلك اللحظات تذكر جيرلوج لعبهما مع الدجاج في فناء القصر في حياته السابقة وتزوجها.