تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول واحد من الحكام الذي سمع عن واحد من القضاة المقيمين في مدينته بأنه لا يمكن لأحد خداعة وعادل، وأراد أن يتحقق من ذلك بنفسه.
الشخصيات
- الحاكم
- القاضي
- النجار
- الرجل المريض
- السمان
قصة حاكم يختبر قاضي المدينة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في إحدى الأساطير من العصور القديمة، حيث كان هناك أحد الحكام الذي سمع أن هناك أحد القضاة من المقيمين في المملكة ويتميزون بذكاء وفطنة كبيرين لا يقوى أي شخص مهما كان على خداع ذلك القاضي، كما أنه قاضي عادل ولم يكن في يوم من الأيام قد ظلم أحد، ومن كثرة ما سمع الحاكم عن عدم مقدرة أحد على خداع القاضي وعدله في أحكامه، قرر أن يقوم بالتحقق من صحة كافة تلك الأقاويل بنفسه.
وأول ما فكر به هو أن يقوم بالتخفي بشخصية غير شخصيته، وبالفعل قام الحاكم بالتنكر في زي، والذي كان يبدو من خلاله أنه تاجر متجول في المدينة، وامتطى جواده وانطلق الحاكم بعد ذلك إلى المدينة وحينما وصل إلى مشارف المدينة اقترب منه أحد الرجال والذي كان لديه أضرار بأطرافه وطلب من الحاكم أن يقدم له المال، لم يرده الحاكم خائباً وقدم له مبلغ من المال.
وفي لحظة من اللحظات وبشكل مفاجئ أمسك الرجل المريض برداء الحاكم، وهنا تعجب الحاكم من أمره وسأله ما حاجته منه بعد أن قدم له ما طلبه من المال، وحينها أجاب الرجل المريض وقال: يا سيدي لقد صنعت معي معروفاً بأن قدمت لي حاجتي من المال، والآن أريدك أن تقوم بإيصالي على جوادك إلى وسط المدينة حيث الساحة الكبيرة الموجودة هناك، لم يرفض الحاكم طلبه وقام بإيصاله إلى المكان المراد، ولكن ما حدث هو أنه أول ما وصل الحاكم بالرجل المريض إلى وسط المدينة رفض الرجل المريض النزول عن الجواد، وهذا الأمر كان قد أثار غضب الحاكم وقال: لماذا ترفض النزول عن الحصان على الرغم من أنني أوصلت بك إلى حيث تريد.
وفي تلك الأثناء أجاب الرجل المريض الحاكم بقوله: ولماذا النزول عن ذلك الحصان وهو من الواضح أنه حصان ملكي، وهنا استشاط الحاكم غضبًا وبدأ مضطرباً وحدث مشاجرة بينه وبين الرجل المريض حتى اجتمع حولهم مجموعة من الناس المتواجدين في الساحة، وفي تلك اللحظة من أجل حلّ الخلاف اقترح عليهما أحد الموجودين الذهاب إلى قاضي المدينة، وافق كلاهما على ذلك الأمر ومضى الحاكم والرجل المريض إلى القاضي، بالإضافة إلى مرافقة مجموعة من الذين كانوا شاهدين على الشجار، وأول ما وصلا إلى مكان إقامة القاضي بدأ الحاجب ينادي على المتخاصمين حسب دور كل منهم.
في البداية استدعى الحاجب كل من نجار وسمان كان قد حدث بينهما نزاع على أمر نقود، وأول ما تحدث كان النجار فقال: لقد اشتريت من هذا الرجل سمنًا وحينما هممت بإخراج محفظتي من أجل أن أعطيه ثمن السمن قام بلمح البصر باختطاف المحفظة من بين يدي، كما أنه كان يحاول انتزاع وأخذ النقود التي بداخلها، وها نحن يا سيدي القاضي قد جئنا إليك يده على يدي ومحفظتي ولكن النقود نقودي؟.
وحينما سمح القاضي للسمان بالحديث قال: إن ما ادعاه النجار كذب وافتراء، إذ أنه جاء النجار إلي حتى يشتري مني سمنًا وبعد أن ملأت له الإبريق، أخبرني أنه لا يوجد معه فكة في القطع الذهبية التي يمتلكها، وطلب مني أن أقوم بفك له القطعة ذهبية، وأول ما قمت بإخراج المحفظة ووضعتها على الطاولة، على الفور تناولها وأراد الفرار بها، ولكني على الفور أدركت ذلك وتمكنت من الإمساك به من يده، وبعدها جئت إليك يا سيدي القاضي إلى هنا.
وفي تلك الأثناء التزم القاضي الصمت لبعض الوقت، ثم تحدث قائلاً: اتركا النقود هنا على الطاولة ثم أحضرا إلي في اليوم التالي، وحينما حان دور الحاكم والذي كان بصورة تاجر والرجل المريض، تحدث في البداية التاجر وحدث للقاضي عما حصل معه، وبعدها سمح القاضي للرجل المريض أن يقوم ويدلي بما في جعبته، فقال الرجل المريض: كل هذا يا سيدي القاضي كذب وافتراء، فقد كنت اعتلي جوادي في وسط ساحة المدينة، أما هذا التاجر فقد كان جالسًا على الأرض، وفي لحظة ما تضرع لي من أجل أن أحمله معي على ظهر جوادي فسمحت له بركوب الحصان، ثم بعد نقلته للمكان الذي يريد.
وفي تلك اللحظات فكر القاضي لبرهة من الوقت، ثم أشار لهما وقال: اتركا الحصان عندي واحضرا إلى هنا في صباح اليوم التالي، وفي اليوم الثاني اجتمع المتخاصمان في ساحة المحكمة؛ وذلك حتى لكي يستمعوا جميعًا إلى الأحكام التي حكم بها القاضي، في البداية تقدم كل من السمان والنجار لمعرفة الحكم في قضيتهما، وأول ما صرح به القاضي هو أنه قال للنجار: إن في الحقيقة النقود ملكه وأشار للسمان وقال للجلادين: أما هذا فاضربوه بالعصا خمسين مرة.
ثم بعد ذلك قام القاضي باستدعاء كل من التاجر والرجل المريض وأول ما تحدث به القاضي هو أنه سأل التاجر وقال: هل بإمكانك معرفة حصانك من بين عشرين حصان أخر، وهنا قال التاجر: نعم يا سيدي، وتوجه القاضي بالسؤال ذاته للرجل المريض، فأجابه الرجل المريض: نعم يا سيدي، ولكن من الغريب أن كلاهما تعرفا على الحصان، فعاد القاضي إلى قاعة المحكمة وقال للتاجر الحصان بالفعل حصانك.
أما الرجل المريض فقد طلب من الجلادين أن يقوموا بجلده بالعصا خمسين مرة، وبعد انتهاء المحاكمة ذهب القاضي إلى بيته، وأثناء الطريق كان الحاكم يتعقب القاضي، وفي لحظة من اللحظات التفت القاضي إلى الخلف ثم سأله عن الذي يريده، فقال له: أردت أن أعرف كيف عرفت أن النقود ملكًا للنجار وليس للسمان، وأريد كذلك أن أعرف كيف عرفت أن الحصان ملكًا لي، وهنا أجابه القاضي وقال: أما بالنسبة إلى النقود فقد وضعتها في قدح ماء ونظرت لها عند الصباح لأرى ما إذا كان السمن طافيًا على سطح الماء، ولو كانت ملكًا للسمان لطاف السمن في القدح.
أما معرفتي مالك الخيل فكانت من الأمور الصعبة علي، وفعلت ذلك لأرى من فيكما سوف يتعرف عليه الحصان، وليس من يتعرف على الحصان، وحينما اقتربت أنت منه التفت برأسه ومده إليك، أما حينما اقترب الرجل المريض منه، فرفع إذنه وقائمته مستنكرًا، في هذه اللحظة قال الحاكم: أنا لست تاجرًا أيها القاضي، بل أنا الحاكم وجئت إليك لأعرف حقيقة ما سمعته عنك، واليوم قد رأيت بنفسي أنك قاضي عادل وحكيم، فاطلب مني ما شئت، فقال القاضي: شكرًا لك يا سيدي وهل يحتاج من يؤدي عمله مكافأة.
العبرة من القصة أن من يسير على الخطى الصحيحة والقواعد العادلة لا يمكن أن يجني في يوم من الأيام إلّا الخير والصلاح والنجاح.