تُعد القصة من أروع القصص القصيرة التي صدرت عن الكاتب والمؤلف الشهير ايفان بونين، وقد تم تصنيف القصة من قِبل الأدباء والنقاد على أنها من أروع القصص التي تم تأليفها في مجال الأدب الروسي، وقد حظيت بشهرة واسعة حال صدورها، وهذا ما جعل الكثير من المترجمين يتسابقون في ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية.
نبذة عن القصة
تم تجسيد القصة في العديد من الأفلام السينمائية العالمية، إذ تميزت بشدة الإبداع والإتقان من جميع النواحي، فقد كانت تتميز بالسرد والحبكة البسيطة المفهومة لكافة الفئات العمرية، كما تناولت في مضمونها الحديث حول قضية تحدث في العديد من المجتمعات المحلية، وهي فقدان الابن إلى والدته في سن مبكر من العمر، بالإضافة إلى انخراطه في حياة جديدة لا تشبه تلك الحياة التي كان يعيشها في حنان وعطف والده.
قصة حسناء
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الرجال، وقد كان ذلك الرجل يعمل كموظف في ديوان الحكومة، وهو كان يعيش حياته بمفرده بعد أن توفيت زوجته منذ وقت طويل وفي ذات الوقت كان قد وصل إلى مرحلة متقدمة من العمر، وفي يوم ما فكر ذلك الرجل الكهل أن يتزوج من امرأة تكمل معه مشوار الحياة، وأثناء بحثه عن زوجة مناسبة التقى في يوم ما مع فتاة ما زالت في مقتبل العمر، وقد كانت تلك الفتاة تتميز بالجمال الباهر والفائق وهي ابنة لأحد الأشخاص الذي يعمل كقائد عسكري.
وقد كان والدها رجل صاحب شخصية صموته ومتواضعة، بينما ابنته كانت لها ثقة بنفسها كبيرة وتدرك تماماً حق قدرها ومكانتها ومنزلتها في المجتمع، تردد الرجل الكهل كثيراً في طلب يدها للزواج؛ وذلك بسبب الفارق بين شخصيته وشخصيتها، حيث أنه كان يعمل مجرد موظف في الديوان الحكومي، كما أنه كان يمتلك جسد نحيف وطويل القامة، وقد كانت توحي هيئته ومظهره الخارجي بأنه رجل مسلول، وأكثر ما يوحي بذلك هو ارتداءه باستمرار إلى نظاره يضعها على عينيه ذات لون قاتم، وكأنها مصبوغة بلون اليود، كما كان يتحدث إلى كافة الناس من حوله بصوت مبحوح وضخم وخشن إلى حد ما، وعلاوة على كل ذلك، فإنه كان إذ رغب في قول شيء أو طلب شيء ما من أحد، فإنه يطلبه بصوت عالي يتخلله التأتأة.
بينما الفتاة الجميلة والحسناء، فقد كانت تتميز بقصر القامة، إلا أنها كانت تتميز بالرشاقة والخفية، كما أنها كانت على الدوام ترفع بكتفيها وتبدو أنها متينة البنيان أمام الجميع، وعلى الدوام تهتم إلى درجة كبيرة بمظهرها الخارجي وتبدو أنيقة الهندام في نظر كل من يشاهدها، وعلاوة على ذلك كانت فتاة فضيعة في شدة العناية الماهرة في تدبير شؤون المنزل، وصاحبة نظرة ثاقبة للأمور، إلا أن الموظف كان يبدو غير جذّاب أبداً من جميع النواحي، حاله كحال غالبية الموظفين الذي يعملون لدى المحافظات.
إلا أنه وعلى الرغم من كل مميزاته السيئة، كان قد تزوج في السابق من سيدة حسناء كذلك وأنجب منها ابن، وقد كان ذلك الأمر ما يذهل الجميع من حوله وينطقون بإعجابهم به في حسن اختياره إلى السيدات الحسناوات، ويتساءلون: لأي شيء تقبل الزواج به نساء بهذا الحسن والجمال؟ وبعد أيام قليلة جازف الموظف وقام بطلب يد الحسناء للزواج، ومما أدهش الجميع أن الحسناء سرعان ما وافقت على الزواج به، وبعد زواجهم بفترة قصيرة، بدأت العلاقة تتوتر بين الحسناء وابن الموظف.
وقد كان ذلك بسبب العديد من التناقضات بين شخصية الابن وشخصية الحسناء بدت الحسناء في كره الابن، وبدأت العلاقة بينهم تسوء يوماً بعد يوم وأصبحت العلاقة بينهم تتسم بالبرود، وقد كان ابنه من زوجته الأولى في ذلك الوقت يبلغ من العمر سبع سنوات، ويوماً عن يوم أصبحت الحسناء تتظاهر بأنها لا ترى ذلك الابن البتة، وآنذاك أصبح الموظف كذلك يتجاهل الابن؛ وذلك خوفًا منها في أن تتركه وتذهب، ويتظاهر على الدوام كما لو لم يكن لديه ابن من الأصل، ومنذ ذلك الوقت بدأ الصبي والذي كان مفعم بالحيوية والنشاط بطبيعته وصاحب الابتسامة الجميلة والوجه البشوش، يخاف من قول أي كلمة خلال حضور كلاهما، ومع مرور الوقت بدأت شخصية الابن بالانكماش تمامًا، وقد أصبح كمن لم يكن له أي وجود في البيت.
وبعد أن تم حفل الزفاف والده على الحسناء على الفور تم نقله من غرفة نوم أبيه، والذي كان يرقد بها منذ أن توفيت والدته، حتى تتم نقل أغراضه إلى جانب صغير في إحدى الغرف التي كانت مخصصة لاستقبال الضيوف، وفي الأصل كانت تلك الغرفة صغيرة جداً وتقع بالقرب من الغرفة المخصصة لتناول الطعام، والتي كانت مزينة بأثاث جميل وزاهي، وأكثر ما ميز أثاثها هو وجود قطيفة ذات لون أزرق.
ومنذ أن تم نقل الفتى إلى تلك الغرفة بدأ يدخل في حالة من الاضطراب والتوتر والقلق، إلى أنه أوصل به الأمر إلى عدم مقدرته على النوم، وفي كل ليلة يحاول النوم بها بعد لحظات قصيرة يسقط الشرشف واللحاف من على جسده إلى الأرض، وحين بدأت تلاحظ الحسناء ذلك الأمر خافت من أن يبدأ يسير في منامه إلى أن يسعى إلى خراب السجادة الزرقاء، وهنا أشارت الحسناء إلى الخادمة التي تدعى سانيتا وطلبت منها أن تقوم كل ليلة بوضع فراشه على الأرض على أن يتم وضع تحته تلك الحشية التي أخفتها في أحد الأيام في الصندوق الكبير الواقع في الدهاليز.
ومنذ أن تزوج والده بدأت حياة الفتى بالتغير بشكل كامل، إذ أصبح في حياة معزولة بشكل كامل عن الدنيا قاطبة، ويعيش حياة مستقلة تمامًا، وقد كان وضعه الجديد لم يثير انتباه أو اهتمام والده، كما بدأت الأيام تبدو لديه أنها متشابهة وروتينية، إذ كان طوال اليوم جالس في ركن غرفة الاستقبال، وفي بعض الأحيان يقوم برسم البيوت على اللوحات وأحياناً أخرى يقرأ بشكل همس والتهجئة في الكتاب ذا الصور وهو الكتاب الوحيد الذي يمتلكه، وقد كان ذلك الكتاب قد تم شراؤه له من قِبل والدته المتوفية، وفي أحيان أخرى يحدق من النوافذ.
كما كان الصبي يمتلك صندوق كبير يضع به كل حاجياته، وفي النهاية بقى الفتى على هذه الحال لسنوات عدة ينام على الأرض في ذلك الجانب من الغرفة إلى جانب ذلك البرميل الذي تنمو فيه نخلة، ويفرش الفراش لنفسه في كل مساء، ويلمه ويلفه لوحده في صباح اليوم التالي، ثم بعد ذلك يضعه في الصندوق الذي يعود إلى والدته في الدهليز، ويحتفظ بجانبه بجميع حاجياته الأخرى.