قصة حلم رجل مضحك

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من الروائع الأدبية التي صدرت عن الأديب الروسي فيودور ديستوفسكي، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول رجل كان موضع للضحك والسخرية بين جموع من الأصدقاء والمقربين منه، وهذا ما جعله يفكر في الانتحار، إلى أن جاءت فتاة صغير وغيّرت مسار حياته.

قصة حلم رجل مضحك

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية التي يدور حولها محور الحديث، حيث أن تلك الشخصية تعود لرجل كان من وجهة نظر أصدقاؤه والمقربين منه أنه شخص يبعث بالضحك، كما كان الجميع باستمرار يمضون وقت طويل في السخرية والاستهزاء به، وفي الكثير من الأحيان ما تتم مناداته بأنه شخص مجنون، وحينما كان يسمع ذلك الرجل الكلمات التي ينعتونه ويستهزؤوا بها منه كانت تنزل على مسامعه مثل الصاعقة المريبة، وكان يشعر بالألم النفسي الحاد.

إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أصبح معتاداً على سماع مثل تلك الكلمات المؤذية ودخل على إثرها في حالة من الاكتئاب الشديد، ولم يعد يكترث لكونه شخص مضحك، حتى أن وصل به الأمر إلى أنه أصبح يستهزئ بنفسه، ولم يكن ذلك الأمر جراء أنه في الحقيقة أنه رجل مضحك، وإنما حتى يكفوا عن ذلك الأمر ويرون أنه لا قيمة له، إلا أن الحالة التي كان قد أصيب بها لم يقوى على الاستمرار معهم في تلك الحالة.

وفي أحد الأيام عزم ذلك الرجل على الإقدام على الانتحار وبالفعل اشترى سلاح، ولكن ذلك السلاح بقي موضوع في الدرج لمدة تقارب على الشهرين، وفي ليلة من الليالي بعد أن ذهب للسهر لدى أحد المهندسين المقيمين بالقرب منه في الحي وقد كان برفقته اثنين من الجيران لاحظوا من هم معه في السهرة أنه بقي طوال السهرة وهو ملتزم الصمت ولم ينطق بأي كلمة على الاطلاق، وهو في الحقيقة كان يركز بتفكيره حول كيف أن يقوم بالانتحار ومتى، وبعد أن عاد من سهرته جلس على أحد المقاعد الموجودة في الحدائق العامة وأخذ يحدق النظر في السماء وقد كانت تلك الليلة شديدة الظلام الحالك، وفي السماء شاهد نجم صغير يتلألأ في ذلك الظلام، وقد كان ذلك النجم قد أشعل في رأسه أنه حان وقت الانتحار.

وبينما كان الرجل غارق في خضم أفكاره أمسكت بطرف ملابسه من جهة يديه فتاة صغيرة، وقد كانت تلك الفتاة يبدو على ملامحها حالة من البؤس العميق، كما أنها كانت تغطي شعرها بمنديل وترتدي ملابس خفيفة ورقيقة وقد ابتلت بسبب هطول الأمطار، وعلاوة على ذلك كان تلبس في قدميها حذاء بالي وممزق، وكان حذائها غارق بالأمطار ومن أعلى رأسها إلى أسفل قدميها ترتعش من شدة البرد، وعلى الرغم من الحالة التي يرثى لها التي كانت بها تلك الفتاة، إلا أنها لم تكن تبكي، وإنما همت بطلب المساعدة، إذ بدت وكأنها تشعر بالرعب والخوف من أمر ما، ثم صرخت بأعلى صوتها أريد أمي، وقد كررتها عدة مرات.

في البداية فكر الرجل في أن يقوم بنهرها، ولكنه حاول أن ينصرف بعيداً عنها، ولكن الفتاة الصغيرة لحقت به، وهنا أوضح لها أنه ينبغي عليها أن تطلب المساعدة من الشرطة وليس منه، حيث أنه كل ما تخيل له في تلك اللحظة أنها تستنجد بسبب والدتها التي تحتضر، وهنا كرر امتناعه عن تقديم المساعدة لها، ولكنها قامت الفتاة بحركة من خلال ضم يديها الصغيرتين وبدأت في التضرع، وهنا شاط غضبه منها وقرع الأرض بقدميه ونهرها بشدة، وهنا أسرعت الفتاة بالابتعاد عنه وتوجهت للبحث عن شخص آخر تطلب منه المساعدة.

وفي ذلك الوقت رجع الرجل إلى غرفته الفقيرة الخالية، ولا يوجد بها سوى قطع من الأثاث المهترئ والقديم، وأول ما توجه في تلك الغرفة إلى ذلك الدرج الذي يخبئ به المسدس، ووجه نحو رأسه، إلا أنه لم يقوى على الانتحار؛ وذلك لأنه سيطرت على تفكيره تلك الفتاة المسكينة، والذي كان بإمكانه مساعدتها، لكنه لم يفعل أي شيء من أجلها، وقد شعر بالغضب بشكل أكثر بسبب أنه طالما عزم على الانتحار فلماذا ما زال يهتم بما يدور في هذه الدنيا.

وفي تلك الأثناء وجد أنه من الأجدر به أن يخلد إلى النوم، وحينما غط في سبات عميق شاهد في منامه أنه قد قام بالانتحار وسقط على الأرض جثة هامدة، وأنه في تلك اللحظات شعر بألم في جسده كأنه تلقى رصاصة، وأنه قام مجموعة من الجيران بحمله ووضعه في التابوت ودفنه بعد ذلك، وأنه خلال كل تلك الأحداث كان مستيقظ يسمع كل ما يدور حوله من أحداث، ولكن لم يقوى على الحركة أو الكلام.

لم يدرك الرجل كم مضى على هذا الوضع، ولكنه بعد لحظات في حلمه بدأت قطرات من الأمطار بالتساقط على عينيه، إذ شعر بالانزعاج من تلك القطرات، ثم بشكل مفاجئ انفتح عليه القبر وحمله كائن غامض وغريب ومجهول وقام بحمله وطار به نحو السماء، وفي تلك اللحظات شاهد ذات النجم الذي شاهده يتلألأ في تلك الليلة.

ثم بعد ذلك طار به ذلك الكائن الغامض إلى مكان بعيد حتى شاهد شمس تشبه إلى حد كبير الشمس التي على كوكب الأرض وبقي هكذا يسير به الكائن إلى أن وصل إلى كوكب يشبه كوكب الأرض تمامًا، وعلى ذلك الكوكب شاهد ناس يشبهون مخلوقات البشر تمامًا، لكنهم مختلفون بعض الشيء، وما كان يميزهم أن أعينهم نقية كماء النبع الصافي ويشع منها نورًا، وأكثر ما لفت انتباهه على ذلك الكوكب أنه لم يكن هناك مكان للكذب ولا الحقد بينهم، فقد كانوا بشرًا بلا خطيئة.

كما كانت الطبيعة من حولهم نقية صافية مثلهم تماماً والأشجار تشع بالخضار، حتى أن الحيوانات بينهم كانت تعيش بسلام دون أن تهاجمهم أياً منهم أو أن يهاجمها أحداً منهم، ولقد أحب تلك المخلوقات كما أنهم أحبوه جداً، وتحدث معهم عن كوكب الأرض، ولكنه في نهاية مكوثه عندهم ساهم في إفسادهم جميعًا، حيث تعلموا الكذب وتغطرسوا به إلى أن انتهى بهم الأمر إلى قتل بعضهم بعضاً ثم تفرقوا وتباعدوا وبدأت التحالفات فيما بينهم، وحينما أصبحوا مخلوقات مجرمة اخترعوا العدالة، وقد تطورت الخلافات فيما بينهم إلى أن وصل بهم الحال إلى أن نشبت بينهم الحروب، وأخيراً حينما عزم على تقديم النصائح لهم نعتوه بالمجنون وطلبوا منه أن يلتزم الصمت وإلا ألقوا به في السجن أو في مشفى المجانين، وهنا شعر الرجل بانقباض في قلبه.

وفي تلك اللحظة استيقظ من نومه، وقد وجد أن الوقت قد أصبح مع الفجر، حينها قام وألقى نظره على المسدس والذي ما زال بجواره، وفي تلك اللحظة أبعده عنه بعيدًا، وقد كان واثق تمام الثقة أن ما شاهده في المنام لم يكن حلمًا، ومن هنا قرر أن يصبح من المبشرين وهو على يقين أن الجنة لم تكمن على كوكب الأرض أبدًا، كما قرر أنه سوف يبقى على الدوام يكن المحبة للناس كما يحب نفسه حتى لو أنهم كانوا يسخرون منه ويعتقدون أنه رجل مضحك؛ وذلك لأن هذا هو الشيء الأساسي الذي لو فعلوه الناس لكانوا أوجدوا الجنة على الأرض، كما قرر أن يقوم بالبحث عن تلك الطفلة حتى يعثر عليها ويقدم لها المساعدة.


شارك المقالة: