تُعد القصة من روائع الأديب العالمي الشهير ليو تولستوي، وقد تناول من خلال محتوى القصة الحديث حول الصراع الدائم بين الإنسان والشيطان، وقد أوحى من خلال القصة أنه في حال اتبع الإنسان الشيطان والطمع والغرور، فإنه لا يمكن أن يصل إلى طريق النجاح والتقدم.
قصة حيلة الشيطان
في البداية كانت الأحداث تدور في صباح أحد الأيام، حيث أنه خرج أحد القرويين والذي كان يقيم في أحد الأكواخ من كوخه للعمل، وفي ذلك الوقت كان يحمل فوق كتفه قوت يومه لذلك اليوم واتجه نحو حقله وما أن وصل إلى الحقل حتى خلع معطفه وأدلف به تحت إحدى الأشجار، وقد كان ذلك بعد أن لف به ما معه من الخبز، ثم شرع في العمل وبعد أن أضناه التعب وأنهكه الجوع أطلق سراح الحصان وجلس ليرتاح قليلاً ويتناول بعض الطعام، وحينما تفقد الطعام لم يجد الخبز بين طيات معطفه، وأخذ يقلب المعطف من جميع الجوانب ويدقق النظر في كل جزئياته، إلا أنه لم يعثر عليه.
حيث كان الشيطان قد سبقه إلى المعطف وتناول ما به من خبز، ثم بعد ذلك جلس ينتظر غضب القروي ولعناته على سارق الخبز، إلا أن أمله قد خاب؛ لأن القروي لم يتأثر جراء فقده للخبز، بل اكتفى بقوله: ما علي لو صبرت فإن الجوع لن يقودني للموت، وربما كان من أخذ الخبز هو في حاجة له أكثر مني فليهنأ به، ثم توجه نحو بئر قريب منه وأطفأ ظمأه وارتاح قليلًا من عناء العمل، وبعد فترة قصيرة من الراحة عاد وأمسك بعنان جواده مرة أخرى من جديد واستأنف العمل.
وفي تلك الأثناء غضب الشيطان واستاء من ردة فعل القروي؛ حيث رآه أوعى من أن يقع في الخطيئة وأسرها بداخله، ولكن هنا عزم الشيطان أن يخبر رئيسه بما حدث معه، وبالفعل ذهب إلى إبليس وقص عليه ما حدث معه، وفي تلك اللحظة حين سمع إبليس بالأمر غلا حقده، وألقى اللوم على الشيطان وقال: إنما الحق يعود عليك؛ وذلك لأنك لم تقم بمهمتك على أكمل وجه، ومنذ تلك اللحظة عليك أن تدرك أن القرويين بدأوا ينهجون على هذا النهج، وكل ما عليك أن تتبع أثرهم في زوجاتهم فالأمر أصبح خطير ولا يمكن لنا أن نتغافل عنه، وسريعاً ينبغي عليك أن تصلح خطأك، وإن لم تنتصر عليه في غضون ثلاث سنين، فسوف ألقنك درساً جزاء إهمالك.
ومنذ ذلك الوقت عاد الشيطان إلى أرض الفلاح مسرعًا وهو ينتفض من شدة خوفه من تهديد رئيسه، ومن هنا أخذ يفكر في حيلة يوقع بها ذلك الفلاح في حبائله، وأخيرًا اهتدى إلى فكرة وجدها من أنجح الحيل، إذ قام بالتنكر بزي أحد العمال وتمكن من أن يدخل في خدمة القروي، وفي العام الأول من عمله في خدمة القروي تمكن من التقرب إلى الفلاح وكسب ثقته، وقدم له نصيحه بأن يقوم يبذر حبوبه في أرض رطبة، وبالفعل عمل الفلاح بنصيحته وأنتجت الأرض محصولًا جيدًا، وقد تمكن الفلاح من تعبئة مخازنه، حيث أن الأحوال الجوية كانت من حسن حظه جافة، وأصبح يمتلك كميات كبيرة من القمح تزيد عن حاجاته.
وفي العام الذي تلاه رجع إليه الشيطان وقدم له نصيحه بأن يقوم يبذر حبوبه على ربوة من الأرض، وحين حان موعد الحصاد وكان الصيف يتميز بالرطوبة العالية، بحيث استفاد الفلاح من نصيحته وبذلك توفر لديه الكثير من بذور القمح يفوق ما جناه في العام السابق، وفي ذلك الوقت أصيب الفلاح بالحيرة من أمره ولم يعرف ماذا يصنع بهذا الكم الهائل من القمح، هنا وسوس له الشيطان أن يستفيد منه في استخراج منه نوع من أنواع الكحوليات، وبالفعل عمل الفلاح بنصيحته.
وقد كان نوع الكحول الذي تم استخراجه منه نوع من أشد الأنواع تأثيراً، ففرح الفلاح بهذا الاكتشاف وأخذ يشرب منه باستمرار هو وزوجته، وقدم إلى أصدقائه كميات كبيرة من منه، حينها ذهب الشيطان إلى رئيسه فرحًا مستبشرًا وقص عليه ما فعله لإغواء الفلاح، فقام إبليس بنفسه من أجل أن يتحقق صدق تلميذه، وما أن وصل إلى منزل الفلاح وإذ به يجد صاحب المنزل يستعد من أجل ان يقيم حفلة صاخبة.
وفي تلك الحفلة كان قد دعا إليها كل الجيران الأقرباء وما إن رأى إبليس وتلميذه وفود المدعوين تقبل إلى المنزل وزوجة الفلاح تدور عليهم بأواني المملؤة بالكحول، حتى فرح كثيراً، وفي لحظة ما تعثرت الزوجة ووقعت الأواني من يدها وسالت المشروبات على الأرض، وحين شاهد الفلاح ذلك شاط غضبًا وصاح بها قائلاً: ماذا أصابك أيتها العسراء حتى أهرقت هذا المشروب اللذيذ على بساط الغرفة؟ هل اعتقدتِ أن ما بين يديك من ماء البئر حتى قمتِ بإتلافه وتبذيره.
وما أن سمع الشيطان هذه الكلمات حتى همز لرئيسه وقال: أسمعت كلام ذلك الفلاح الساذج الذي لم يهتم لفقد الخبز في السابق بينما الآن ينتهر بزوجته ويلومها على فعلتها والذي هو عن غير قصد منها، وبعد أن تناول جميع المدعوون من الشراب أخذوا يخادعون بعضهم البعض بألفاظ التملق والرياء، وهنا قال الشيطان لرئيسه: إذا كان بعض الشراب جعلهم يتملقون بعضهم البعض هكذا، ولكنك سوف تشاهدهم بعد وقت قليل كالذئاب المفترسة ينهشون لحوم بعضهم البعض.
فما أتم قوله حتى أنهم كانوا قد تناولوا الشراب للمرة الثانية، وبالفعل ارتفعت بينهم الأصوات وأصبحوا يتبادلون الكلام والألفاظ البذيئة والقبيحة، وفي تلك اللحظة شعر التلميذ بهذا الفوز الباهر أمام رئيسه، وما زاد من سروره أن تطور الأمر إلى الضرب والملاكمة، وهنا قال الرئيس: هذه هي الخطوة الأولى في طريق النصر، فرد عليه تلميذه: انتظر قليلاً حتى تشاهد بأم عينك ما هو أعظم، فإنهم الآن كالذئاب يكاد أحدهم يفترس صديقه، ولكنك سوف تشاهدهم كالخنازير الموحشة عقب تناولهم للشراب للمرة الثالثة.
وبالفعل حين تناولوا الجرعة الثالثة من الشراب علت أصواتهم وزاد صخبهم وأصبح كلاً منهم يشتم الآخر بدون أي سبب يذكر، وبعد فترة وجيزة أخذوا يتمايلون عن اليمين وعن الشمال ويتسللون من مكان الحفل، وفي تلك اللحظة سرعان ما تبعهم التلميذ ليثيرهم على صاحب الحفل، إلا أنه ما كاد يخطو بضع خطوات حتى تعثر في مشيته ووقع في حفرة مملوءة بالوحل، مما جعله يتلطخ من أعلى رأسه إلى أسفل قدميه، وهذا الأمر قد زاد من سرور رئيسه.
وهنا التفت الرئيس نحو تلميذه وقال له: لقد كان نجاحك باهراً وفوزك مبينًا، ولكن أخبرني كيف صنعت هذا الشراب؟ فلا شك أنك أضفت إليه بضع النقاط من دم الثعالب في الكأس الأولى والثانية؛ وذلك لأنهم أصبحوا يراوغون ويتملقون مثل الثعالب، كما انهم أصبحوا كالذئاب المفترسة بعد تناولهم للكأس الثانية، كما يخيل إليّ أنك وضعت نقاط من دم الخنزير في الكأس الثالثة حتى أصبحوا يماثلون كالخنازير عقب الكأس الثالثة.
وهنا رد عليه الشيطان وقال: كلًا إنك لم تصب في الحقيقة، فليست هي تلك الطريقة التي اتبعتها وكل ما في الأمر أنني بذلت كل ما بوسعي من أجل أن أجعل ذلك القروي يمتلك كميات كبيرة من بذور القمح أكثر مما يحتاج إليها؛ وذلك لأن الإنسان يسير بين عروقه دماء الطمع على الدوام، وتبقى تلك الغريزة كامنة داخله ما دام يملك من حطام الدنيا أقل من احتياجاته.
وحينما أصبح يتوفر لديه أكثر من ضرورياته حتى عماه الطمع وتمادى به الغرور، وأخذ بالبحث عن دواعي السرور، وحينما سمحت لي الفرصة لإغوائه أخذت بيده إلى طريق الغواية حيث أرشدته إلى صنع الكحوليات، وحينما تذوقها ووجدها لذيذة ثرت بداخله غريزة دماء الطمع، وأصبح وحش بعد أن كان إنسان لطيف، وهو بذلك ابتعد عن مناهج الإنسانية طالما يعاقر الكحول.