قصة خلاص فاطمة أو (Fatima’s deliverance) من كتاب القصة الشرقية الذي يحتوي على سبع حكايات فلكلورية شرقية طويلة للمؤلف، ويلهلم هوف، وقام بترجمتها (G. P. Quackenbos) نشرت عام 1855، قام بنشرها (D. Appleton and Compan) 346 & 348 Broadway, New York).
الشخصيات:
- مصطفى.
- ثيولي كاس.
- الزعيم أورباسان.
قصة خلاص فاطمة – الجزء الثاني:
حوالي منتصف اليوم السابع بعد رحيله دخل مصطفى بوابة بلصورة، وبمجرد وصوله إلى بيت متنقل سأل عما إذا كان قد تمّ افتتاح سوق العبيد الذي يقام هنا كل عام، لكنه تلقى إجابة مذهلة، أنّه جاء متأخراً يومين، وقال له أحدهم إنّه في اليوم الأخير من السوق، وصلت فتاتان تتمتعان بجمال عظيم كانتا تجذبان عيون جميع التجار.
وعندما استفسر بشكل خاص عن مظهرهن أخبره الرجل أنهما كانتا تعيستان، وعلم أنّ الرجل الذي اشتراهما كليهما، كان يُدعى ثيولي كاس ويعيش أربعين فرسخًا من بالصورة، وهو رجل لامع وثري، لكنّه كبير السّن وقد استقر الآن في حياته الخاصة والتمتع بالثروات التي اكتسبها.
كان مصطفى، في البداية، على وشك إعادة ركوب حصانه بكل سرعة ممكنة، من أجل الوصول إلى ثيولي كاس، ولكن عندما فكر في أنّه كرجل وحيد، لا يمكنه التغلب على الرجل القوي ولا يزال أقل قدرة على إنقاذ فتياته منه، فشرع في التفكير في خطة أخرى، وسرعان ما وجد واحدة، وهي إن تشابهه مع الباشا من صليقة الذي كاد أن يكون قاتلاً بالنسبة له، أوحى إليه التفكير في الذهاب إلى منزل ثيولي كاس بهذا الاسم وبهذه الطريقة، والقيام بمحاولة لإنقاذ الفتاتين.
وبناءً على ذلك، استأجر خيولًا، حيث جائت أموال الزعيم أورباسان بشكل مناسب لمساعدته، وزود نفسه وخدمه بملابس رائعة، وانطلق في اتجاه قلعة ثيولي، وبعد خمسة أيام وصل إلى جوارها، كانت تقع في سهل جميل وكانت محاطة من جميع جوانبها بجدران شاهقة، لكنّ المبنى نفسه كان يعلو قليلاً، وعندما وصل مصطفى كان قد صبغ شعره ولحيته باللون الأسود، ممّا أعطاه مظهراً مشابهًا تمامًا للباش، ومن هذا المكان أرسل أحد الحاضرين إلى القلعة ، وأمره بالسؤال عن إقامة ليلية، باسم الباشا من الصليقة.
سرعان ما عاد الخادم بصحبة أربعة عبيد يرتدون ملابس أنيقة، أخذوا حصان مصطفى من اللجام وقادوه إلى ساحة القلعة، وهناك ساعدوه على النزول واصطحبه أربعة آخرون إلى درج رخامي عريض، إلى حضرة ثيولي الذي استقبل مصطفى باحترام، وبعد تناول الطعام سوياً، حول مصطفى الحديث تدريجيًا إلى العبيد الجدد، عندئذٍ، أثنى ثيولي على جمالهن، لكنه أعرب عن أسفه لأنهما كانتا حزينتان جدًا، كان مصطفى سعيدًا جدًا باستقباله، ثمّ استلقى للراحة.
وفي الصباح عندما رفع نفسه، كان يعتقد أنه يحلم، لأنّه كان يقف أمامه نفس الرجل الداكن الصغير جدًا من خيمة الزعيم أورباسان، وفي يده مصباح، وكان فمه الواسع منتفخ بضحكة مقززة، ضغط مصطفى على ذراعه وشد أنفه ليرى ما إذا كان مستيقظًا حقًا، لكن ظل واقفاً أمامه، فصاح مصطفى: ماذا تفعل بجانب سريري؟ أجاب الرجل الصغير: لا تزعج نفسك يا صديقي، لقد قمت بتخمين جيد للدافع الذي أوصلك إلى هنا، على الرّغم من وجهك الجديد ما زالت أتذكرك جيدًا، ولو لم أساعد بيدي في القبض على الباشا، ربما كنت قد خدعتني أيضًا.
قاطعه مصطفى الذي كان ممتلئًا بالاستياء من اكتشافه: أجل، أخبرني أولاً لماذا أتيت إلى هنا، فأجاب الرجل: سوف أشرح لك، لم أستطع تحمل القوة بعد الآن، وبالتالي هربت، لكنك أنت يا مصطفى سبب الخلاف بيننا، وعليك أن تعطيني أختك كزوجة وسوف أساعدك في رحلتك، وإن رفضت سأذهب إلى سيدي الجديد وأقول له كل شئ عن خدعتك له.
كان مصطفى متورطًا بالخوف والغضب، في نفس اللحظة التي ظن فيها أنّه وصل إلى الإنجاز السعيد لرغباته، جاء هذا البائس وأحبط إنجازه، وكانت الطريقة الوحيدة لتنفيذ خطته هي أن يقتل الوحش الصغير، وعندما قفز من السرير عليه، ترك المصباح يسقط الذي انطفأ على الفور، واندفع في الظلام وهو يبكي بشدة طلباً للمساعدة، فهرب مصطفى على الفور لكي لا يتم كشف أمره، وركض حتى وصل إلى غابة صغيرة حيث كان منهكًا، وهناك فكر في ما يجب القيام به، كان مجبرًا على ترك جياده وحراسه، لكن المال الذي وضعه في حزامه، كان لا يزال معه.
ثمّ سار عبر الغابة حتى وصل إلى قرية حيث اشترى حصانًا مقابل مبلغ بسيط، ووصل بمساعدته في وقت قصير إلى مدينة، وهناك استفسر عن طبيب، وتم توجيهه إلى رجل عجوز متمرس، وقام بمنحه بضع قطع ذهبية لتزويده بدواء ليعطيه منومًا قوياً يصبح من يأخذه شبيهًا بالميت، وبعد أن حصل عليه، اشترى لحية طويلة مستعارة وثوبًا أسود، والعديد من الصناديق حتى يتمكن من المرور بسهولة كطبيب مسافر وركب إلى قلعة من ثيولي كاس كان متأكداً، هذه المرة من عدم التعرف عليه، لأنّ لحيته شوهته لدرجة أنّه نادراً ما يعرف نفسه.
عند وصوله إلى محيط القلعة، أعلن نفسه الطبيب تشاكامنكبوديبابا، وسارت الأمور كما كان يتوقع وروعة الاسم أكسبته نعمة غير عادية لدى الأحمق العجوز الذي دعاه إلى المائدة، وبعد أن تحدث معه بالكاد لمدّة ساعة، قرّر الرجل العجوز أن تخضع جميع خادماته لفحص الطبيب الحكيم، لم يستطع مصطفى إخفاء فرحه بفكرة رؤية أخته الحبيبة مرّة أخرى، وبقلب خفيف تبع ثيولي الذي أوصله إلى غرفة غير مأهولة مؤثثة بشكل جميل.
وضع تيولي قائمة طويلة لخدمه، وبدأ بصوت عالٍ ينادي واحدًا تلو الآخر أسماء عبيده، وفي كل مرة تخرج خادمة يدها من خلف الحائط، فيشعر الطبيب بالنبض تم فحص ستة، وأعلن الطبيب أنهن بخير وعندما نادى فاطمة، خرجت يد فتاة بيضاء صغيرة، استوعب مصطفى ذلك وهو يرتجف من الفرح، وأعلن أنّها مريضة للغاية، أصبح ثيولي قلقاً للغاية، وأمر حكيمه على الفور أن يصف لها بعض الأدوية.
فغادر الطبيب الغرفة وكتب لفافة صغيرة: فاطمة، سأحفظك إذا كنت تستطيعين أن تأخذي قرارك في أخذ الدواء الذي سيجعلك تبدين ميته لمدّة يومين، ومع ذلك فأنا أملك السائل الذي سيردك إلى الحياة، إذا رغبت في ذلك، فقومي بإعادة الإجابة فقط، وبعد لحظة عاد إلى الغرفة وأحضر معه شرابًا، وشعر بنبض فاطمة المريضة مرة أخرى، ودفع الورقة أسفل سوارها ثم أعطاها السائل عبر الفتحة الموجودة في الحائط.
وعندما غادر ثيولي الغرفة مع مصطفى، وخاطبه بلهجة حزينة: أيها الطبيب، أخبرني بصراحة ما رأيك في مرض فاطمة؟ فأجاب مصطفى: آه يا سيدي، إنها تعاني من حمى بطيئة، والتي ربما تكلف حياتها! فقال ثيولي: ضع كل مهارتك، سأدفع لك ما تطلب، فقال مصطفى: سأعطيها جرعة، ستخرجها من الخطر، فقال ثيولي: نعم، أعطها، وبقلب فرح ذهب مصطفى ليحضر مخدره، وأعطاه للخادم وأظهر له كم يجب أن تتناول من الدواء.
بالكاد كان مصطفى غائبًا، عندما أخبرالخدم ثيولي بأن فاطمة كانت في آلام الموت، فأرسلهم إلى ساحل البحر ليعيدوا الطبيب بأسرع ما يمكن، لكن الخدم عادوا وحدهم، مع أنباء أن الطبيب المسكين قد سقط في الماء وغرق، وأنّهم شاهدوا عباءة سوداء تطفو على السطح، لعن ثيولي نفسه والعالم كله، وضرب رأسه بالحائط، لكن كل هذا لم يكن له نفع، لأنّ فاطمة سرعان ما استسلمت للموت.
عندما سمع الرجل البائس نبأ وفاتها، أمرهم بسرعة أن يصنعوا نعشًا وأمرهم بنقل الجثة إلى مكان الدفن، أحضر الناقلون التابوت، لكنّهم سرعان ما وضعوه وهربوا، لأنهم سمعوا تنهدات منه، خرج مصطفى الذي اختبأ خلف التوابيت، وأضاء المصباح، ثم أخرج قارورة تحتوي على دواء إعادة الحياة ورفع غطاء تابوت فاطمة، ولكن لم تكن ترقد أخته ولا زريدة بل فتاة غريبة في التابوت.
لقد مر بعض الوقت قبل أن يتمكن من التعافي من ضربة القدر الجديدة هذه، ولكن أخيرًا انتصرت الرحمة على الغضب، وفتح القارورة وأعطاها السائل، فتنفست وفتحت عينيها، وألقت بنفسها وهي تبكي عند قدمي مصطفى، وصرخت قائلة: كيف لي أن أشكرك، لأنك حررتني من سجني المخيف؟ قاطع مصطفى عبارات الامتنان بسؤالها كيف قالت أنها فاطمة وهي ليست أخته فاطمة، أجابت: اعلم أنه في هذه القلعة أنا اسمي فاطمة، وقد أعطيتني ملاحظتك، والشراب الحافظ.
ناشدها مصطفى أن تعطيه معلومات عن أخته وزريدة، وعلم أنهما كانتا في القلعة، وطلبت منه الخادمة أن يتحلّى بالشجاعة، ووعدته بأن تُظهر له الوسائل التي يمكن بواسطتها أن يتسلم كلتا الفتاتين، كان مصطفى مليئًا بأمل جديد، وطلب منها أن تشير إليه على الطريق، قالت: في الفناء الداخلي للقلعة، ربما تكون قد لاحظت نافورة تصب منها المياه من عشرة أنابيب، من خلالها يمكنك دخول القلعة ليلاً وتحريرها، فقط يجب أن يكون معك رجلان على الأقل، من أجل التغلب على العبيد الذين يحرسون قنواتها في الليل.
سارع مصطفى نحو الجبل حيث التقى الزعيم أورباسان أول مرة، ووصل إليه في غضون ثلاثة أيام، فرحب به الزعيم بلطف وأخبره مصطفى بمحاولاته الفاشلة، فأكد له الزعيم أنه مستعد لمساعدته فبقي مصطفى في تلك الليلة مرّة أخرى في خيمة السارق، ومع أول صبا انطلقوا، وأخذ أورباسان معه ثلاثة من أشجع رجاله، وفي غضون يومين وصلوا إلى المدينة الصغيرة، وهناك اختبأوا بانتظار الليل، وحالما حل الظلام، شرعوا بهدوء إلى النهر حيث بدأت القناة، وسرعان ما وجدوها.
وأعدوا أنفسهم للنزول و قبل أن يبدؤوا، كررت الخادمة فاطمة مرة أخرى بدقة التوجيهات التي أعطتها لهم عن كيفية الدخول والخروج، وبعد نصف ساعة وصلوا إلى النافورة، وسرعان ما قاموا باختراق كبير بما يكفي للسماح لهم بالمرور دون صعوبة، وقاموا بفحص جانب القلعة الذي يقع أمامهم، من أجل العثور على الباب الذي تم وصفه، ثمّ وجدوا بابًا واحدًا محاطًا بسور.
ثمّ فتحوه، ووجدوا ستة عبيد سود نائمين على الأرض، ثمّ قيدوهم وقدموا خناجرهم إلى صدور العبيد، وسألوا أين الفتاتين، فاعترفوا أنّهم في الغرفة المجاورة، فاندفع مصطفى إلى الغرفة فوجد فاطمة وزريدة استيقتظا على الضوضاء، ولم يمض وقت طويل في جمع مجوهراتهم وملابسهم واتباع مصطفى، وبمجرد مغادرتهم تبع الرجال مصطفى، وبعاطفة عميقة، في اليوم التالي شارك مصطفى والفتيات شكرهم الكبير للزعيم أورباسان.
بعد رحلة قصيرة وممتعة، وصل مصطفى والفتيات إلى المنزل، وكانت فرحة والدهم عظيمة برؤيتهم مرّة أخرى وفي اليوم التالي بعد وصولهم، أقام حفلاً عظيمًا دعي إليه كل المدينة، وعندما انتهى، قام والد مصطفى وقاد زريدة إليه، وقال بصوت جليل: هكذا ابتعدت اللعنة من رأسك، خذ هذه العذراء كمكافأة تستحقها شجاعتك التي لم تنضب واحصل على بركتي الأبوية.