تُعتبر هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الأديب الأمريكي وليام سيدني بورتر، وهو ما يشتهر باسم أوليفر هنري، وقد عمد الكاتب من خلال القصة على تقديم حياة الناس العامة بطابع هزلي وساخر، وقد تناولت القصة في مضمونها الحديث حول حادثة طلاق لرجل وسيدة قررا الانفصال ولكن بعد الانفصال وهما عند القاضي رجعا إلى بعضهما البعض من جديد.
قصة دوامة الحياة
في البداية كانت الأحداث تدور في ذلك اليوم الذي كان به القاضي يجلس القاضي ويدخن الغليون الضخم في مكتبه، وفي تلك اللحظة كان ينظر باتجاه الجبال التي تعرف باسم جبال كمبرلند، والتي كان يكسوها الظلام الدامس، ومن جهة الطريق العام المنحدر انبعث من أعلى الطريق صوت حفيف عجلات وامتلأ الجو على إثرها بالغبار مما جعل ما خلف تلك العربة من مشاهد الطبيعة وجمالها تنحجب عن الرؤية.
ثم بعد ذلك بلحظات قليلة ظهرت عربة يجرها حصان تحمل رجل يدعى السيد رانسي وبرفقته زوجته، وبعد قليل وقفت تلك العربة أمام مكتب القاضي، كانت الزوجة شاحبة الوجه، إلا أنها طويلة القامة ويتسم مظهرها الخارجي بالهيبة المتعارف عليها لدى سكان الجبل، وكانت تلك الزوجة بين الحين والآخر تظهر قليلاً من الضجر والسذاجة كما كانت واضح من خلال تصرفاتها أنها تحتج على الشباب الزائف الذي ادعت أنها فقدته دون أن تستفيد منه في شيء، وفي تلك الأثناء سرعان ما تحرك القاضي من أجل أن يفسح لهما الطريق، وأول ما قابلت الزوجة القاضي قالت له: أنها ترغب بالطلاق، ثم بعد ذلك توجهت بنظرها إلى زوجها والذي بدوره هز برأسه مؤكدًا على موضوع الطلاق، وردد لم نعد نستطيع أن نعيش سوياً الحياة في الجبال مفقرة.
وفي ذلك الوقت قالت الزوجة للقاضي: حين لا يكون الرجل على قدر المسؤولية ولا يهتم بأمور المنزل ويقضي معظم وقته في احتساء الشراب تكون الحياة شبه مستحيلة، وهنا رد الزوج عليها وقال للقاضي: حينما تدأب الزوجة وتبعثر أغطية الطعام وباستمرار تقوم بصب الماء على الكلب، وعلى الدوام تقوم بتكرار تسخين مأكولات زوجها وتندد به جراء السهر ليلًا، بينما يكون هو يدأب ويسعى في الأرض من أجل توسعة دخلة، ولكن مع ذلك تمتعه الزوجة بسمعه رديئة وسيئة، وحين سمع القاضي هذا الكلام توجه من أجل القيام بعمله وقدم مقعده الوحيد وفتح كتاب الأحوال الشخصية.
ثم بعد ذلك همّ بفتح الكتاب وتوجه بالكلام لكلاهما وقال: إن كل من القوانين والأحوال الشخصية لا تقول شيئًا حول موضوع الطلاق، ولكن الدستور والعدالة والقانون الذهبي تنص جميعها على المساومة، إلا أن تلك المساومة من ناحية واحدة فقط، فمن الطبيعي أن يقوم القاضي بتزويج رجل وامرأة، كما أنه لديه الإمكانية على تطليقهم، ثم بعد ذلك أخرج الزوج من جيبة ورقة من فئة الخمس دولارات وقام بوضعها على المنضدة أمام القاضي وقال: لقد بعت جلد فراء لثعلبين بهذا المبلغ وهو كل ما أملك في جيوبي، فقال له القاضي: ولكن الرسوم العادية هي خمس دولارات.
ثم بعد ذلك تناول القاضي ورقة وكتب عليها شهادة الطلاق، وبعدها قام بقراءة وثيقة الطلاق للرجل وزوجته، والذي بدورهما أنصتا له جيداً، ثم بعد ذلك قام بتسليم الوثيقة إلى الزوج، ولكن هنا اعترضت الزوجة وقالت: مهلًا يا سيدي القاضي لا تسلمه هذه الوثيقة، فقبل أن يستلم تلك الوثيقة ينبغي أن أحصل على كافة حقوقي أولًا، كما أنه يجب أن أحصل على نفقتي، فهذه ليست طريقة طلاق رجل من زوجته دون أن يترك لها ما تعيش به، إذا كان زوجي قادر على طلاقي، فينبغي عليه أن يؤمن لي النفقة أولاً، وفي تلك اللحظة لم ينطق الزوج بأي كلمة، وتمتم بكلمات: من عادة النساء أن يثرن مشاكل غير مدروسة.
وهنا شعر القاضي أن الأمر يحتاج قرار قضائي يحسم الأمر بينهم، وفي تلك اللحظات التزم الزوجان الصمت في موضوع النفقة، وقد وقع نظر القاضي على قدمي الزوجة وقد كانتا حافيتين والطريق إلى الجبل الذي يعرف باسم جبل جباك حيث يقيم شقيقها شائكة ووعرة، وهنا سألها القاضي: كم تطلبين من النفقة، فردت الزوجة: خمسة دولارات، وهذا المبلغ ليس كبير، إلا أنها تكفيني للوصول إلى منزل شقيقي، وهنا توجه القاضي نحو الزوج وقال له: هل المبلغ معقول؟ فرد الزوج: لا أمتلك أي أموال، فكل ما معي من مال أعطيتك إياه، وهنا نظر له القاضي من خلف نظارته وقال: أنت تزدري المحكمة، فرد عليه الزوج وقال: أعتقد أن باستطاعتك أن تقرضني المال وسوف أرده إليك في وقت قريب.
وفي تلك الأثناء قال القاضي لكلاهما: لقد عزمت على تأجيل القضية حتى يوم الغد؛ وذلك حتى تمتثلان لأوامر المحكمة وغداً سوف نصدر أمر الطلاق، ثم بعد ذلك ركبا العربة وأثناء الطريق هبت الأرض حتى اختفت وسط الغبار، وبعد أن خرجا من مكتب القاضي قام القاضي وتوجه نحو منزله، وفي طريقه ظهر له رجل ملثم وقال له: أريد أن تخرج كل ما معك من أموال، وقد كان في يد الملثم سلاح، فقال القاضي: ولكنني ليس معي سوى خمسة دولارات، ثم أخرجهم وأخذها اللص.
وفي صباح اليوم التالي جاء الزوج وقدم إلى القاضي ورقة مالية من فئة الخمس دولارات وكانت مطوية بذات الطريقة التي طواها القاضي في يوم الأمس، إلا أن القاضي التزم الصمت ولم ينطق بأي كلمة، وسلم كل منهم نسخة من وثيقة الطلاق.
وبعد أن أتم أمور الطلاق قالت السيدة لزوجها السابق: أعتقد أنك سوف تعود إلى ذلك الكوخ بالعربة، فحينما تصل سوف تجد الخبز موضوع في علبة الصفيح الموجودة على الرف، كما أنني ووضعت اللحم في ذلك الإناء المخصص للغلي؛ وذلك حتى لا تصل الكلاب إليه، فرد عليها زوجها السابق وقال: وأنت هل سوف تذهبين إلى منزل شقيقك؟ فردت عليه: لكني أخشى أن أزعج أهل بيت شقيقي ولست أعرف مكانًا أخر أقصده، وأنت هل سوف تكون وحيدًا في ذلك الكوخ، فقال: نعم لكن ما الحل قد ركب الجنون عقل البعير وطلب الطلاق، ولا سبيل على حمل البعير على البقاء.
وأكمل حديثه بقوله: ولكن لا أحد يستطيع أن يملًا ساعة الحائط، فردت عليه: هل ترغب في أن أرجع معك في العربة من أجل أن أملأ الساعة، فرد عليها: إنني أدركت أني كنت على غير حق، فقالت له: إن قلبي لا يدق سوى في ذلك الكوخ هيا سوف أعود معك ولن أعود إلى الجنون مرة أخرى، فقال القاضي المحكمة لهما: إنني على استعداد أن أقوم بفسخ وثيقة الطلاق وإعلان الزواج الشريف من جديد، فقامت السيدة برمي ورقة الطلاقة والورقة من فئة الخمس دولارات على المنضدة أمام القاضي وأخذها زوجها بالعربة إلى جانبه وذهبا إلى كوخهما.
