قصة زهور إيدا البيضاء

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر الكاتب والمؤلف هانس كريستيان أندرسن الدنماركي من أبرز الأدباء الذين ظهروا في مجال كتابة القصص وتأليف الروايات والدواوين الشعرية، حتى لقب بشاعر الدنمارك الوطني، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي زهور إيدا البيضاء.

قصة زهور إيدا البيضاء

في البداية كانت تدور وقائع وأحدث القصة بين طالبة في المدرسة تدعى إيدا وأحد الطلاب الزملاء لها، وأولاً تسأل إيدا صديقها: حزينة أزهاري قد ماتت تماماً، كم كانت جميلة يوم أمس، واليوم ذبلت كل أوراقها يا ترى ما هو السبب؟ وقد كان الطالب من الأشخاص الذي تعزهم إيدا كثيرًا، إذ كان يسرد لها أجمل القصص ويصنع لها بالمقص أشكالًا زخرفية جميلة، مثل قلوب ترقص وفي داخلها سيدات زهور، وقصور كبيرة يمكن فتح أبوابها.

كانت إيدا في تلك اللحظة تشعر بالحزن الشديد وهي تنظر إلى أزهارها، وهنا طمأنها الطالب بقوله: لا بد أنها كانت في حفل راقص ليلة أمس؛ لذلك تبدو رؤوسها منحنية إلى الأسفل، قالت الصغيرة: وكيف للأزهار أن تقوم بالرقص، فأجاب: ومن قال ذلك، فحينما يأتي المساء ويخلد الجميع إلى النوم، تتقفز الأزهار من جانب إلى آخر بكل سرور، حيث أن لديها حفلة رقص كل ليلة، وهنا سألت إيدا: ألا يسمح لنا نحن الصغار بحضور تلك حفلات، فرد الطالب: نعم ولكن ليس الصغار من البشر، بل صغار الزهور، وهنا سألت إيدا: وأين ترقص الزهور الأكثر جمالاً؟ أجاب الطالب: حيث الحدائق الملكية الذي تنزل فيه الزهور في فصل الصيف، حيث أنّ تلك الحدائق مليئة بالأزهار.

قالت إيدا: لم أرى هذا بنفسي حيث كنت أتنزه مع والدتي في الحديقة يوم أمس،  إذ كانت كل الأوراق تتساقط من الأشجار، ولم تعد هناك زهور أين هي؟ رد الطالب: إنها في داخل القصر عندما ينتقل الملك والحاشية من القصر إلى المدينة، فإن الزهور تركض على الفور إلى داخل القصر وتكون في غاية السعادة، حيث أن ذلك المنظر يستحق أن تشاهديه، وأجمل زهرتين جوريتين حمراوين تجلسان على العرش كملك وملكة، كما أن كل الورود تكون في ذلك الحفل فزهرة عرف الديك الأحمر تصطف وتحيي على الجانبين في الصالة، وهي بمثابة النبلاء الشبان الذي يخدمون في القصر.

بعدها تأتي باقي الأزهار الملونة ويقام الحفل الراقص الكبير، كما أن أزهار البنفسج تمثل ضباط البحرية الفتيان ترقص مع زهور الزعفران ويدعونهم بالآنسات، أما بالنسبة إلى أزهار السوسنة والتيوليب فهن الآنسات المتقدمات بالعمر، واللواتي بدورهن يشرفن على حفلة الرقص ويحرصن على أن يتم بشكل منضبط تماماً، قال الطالب: وفي بعض الأحيان يقدم حارس القصر وهو رجل عجوز والمسؤول عما هو حول القصر لديه حلقة مفاتيح كبيرة، وعندما تسمع الزهور خربشة المفاتيح تقف في مكانها دون أي حركة، كما تقوم بالاختباء خلف الستائر ولكن دون رأسها.

وهنا سألت إيدا: هل من الممكن لزهور الحدائق المجاورة كذلك أن تأتي إلى القصر، أيمكنها قطع كل ذلك الطريق؟ أجاب الطالب: بكل تأكيد؛ لأن بإمكانها الطيران إن شاءت، ألم تشاهدي الفراشات الجميلات تبدو تقريبًا كزهور، وقد كانت في الحقيقة زهورًا تفتحت وقفزت من الأغصان عاليًا في الهواء الطلق، وبما أنها أجادت الطيران هنا وهناك سمح لها بالطيران في النهار كذلك، من الجائز أن الأزهار في الحديقة النباتية.

سأخبرك بأمر مهم: من المؤكد أن الخيبة سوف تصيب البروفيسور صاحب الحديقة المجاورة، أنت تعرفينه بلا شك، فعندما تدخلين حديقته عليك أن تخبري إحدى الزهور، بأن هناك حفلًا راقصًا كبيرًا في القصر، وستخبر الزهرة بدورها الباقين وحينها سوف تحلق جميعًا، وعندما يأتي البروفيسور إلى الحديقة ولن يجد زهرة واحدة ولن يتمكن من فهم السبب خلف ذلك، وهنا قالت إيدا: ولكن كيف من الممكن أن تقوم الزهرة بإخبار الآخرين، وهي لا تقوى الزهور على الكلام، فأجاب الطالب: أنت محقة فالزهور لا تتكلم مع بعضها البعض، ولكنها من الممكن الإيماء بذلك، ألم تلاحظي حينما تهب الرياح تهز الزهور برؤوسها، وتتحرك كل تلك الأوراق الجميلة.

وهنا سألت إيدا: لكن هل من الممكن أن يفهم البروفيسور بالإيماء، أجاب الطالب: بالتأكيد، فعندما قدم ذات صباح إلى حديقته، وشاهد الحراق يومئ بأوراقه لزهرة قرنفل، فضرب الحراق بالحال على أوراقه، فهو لا يحب تلك الأمور؛ ولأن الأوراق هي يد الحراق، فقد احترق ومنذ ذلك اليوم، وهو لا يقوى على لمس الحراق مرة ثانية، كانت في تلك اللحظة إيدا تستمتع بتلك الأحاديث، وفي تلك الأثناء جاء طالب آخر ثقيل دم وقال: هذا هراء أن تجعل الأطفال يصدقون لغوًا كهذا، فقد كان لا يحب الطالب ويتنمر عليه طوال الوقت ويسخر من الأشكال التي يقصها.

وهنا تأكدت إيدا أن زهورها متعبة من الرقص فحملتها إلى جانب لعبها الأخرى، وكانت دميتها صوفيا قد نامت في سريرها، ولكن إيدا طلبت منها وقالت: عليك أن تفيقي يا صوفيا وتكتفي بالنوم في الجارور هذه الليلة، وذلك لأن الزهور مريضة وسوف تستلقي في سريرك، وعندها ذهبت إلى سريرها هي أيضاً، ولكنها لم تستطع الكف عن التفكير طوال الليل بما قاله الطالب، وحين استيقظت في الليل حتى تطمأن على زهورها، فقد كان الهدوء يعم غرفة النوم وسألت نفسها: ترى ما زالت زهوري مستلقية في سرير صوفيا، كم أرغب معرفة ذلك، جلست في سريرها ونظرت باتجاه الباب، الذي كان مواربًا وقد كانت جميع زهورها وألعابها هناك في الصالة.

وفي تلك اللحظة بدأت في الانصات قليلًا، إذ تهيأ لها سماع عزف بيانو داخل الصالة، ولكنه صوت هابط جداً ولطيف، كما لو أنها لم تسمعه من قبل على الاطلاق، وهنا قالت إيدا: كم أتمنى رؤية ذلك، ولكنها لا تقوى على النهوض  وذلك خوفاً من إيقاظ أمها وأبيها، واستمرت الموسيقى بعزف نغم جميل، وهنا لم تقوى على الصبر أكثر.

وهنا عزمت على النزول من سريرها ومشت بهدوء نحو الباب، وأخذت بالنظر إلى داخل الصالة، وفي تلك اللحظة يا لمتعة ما شاهدت، فالقمر كان يسطع عبر الشباك على أرض الغرفة مثل نهر، وهنا كانت تصطف كل من التيوليب والهايسنث صفين طويلين، ولم يتبق في الصالة غير فراغات بسيطة على الأرض، وكانت كل الزهور ترقص وتدور حول بعضها البعض، حتى شكلت حلقة حول البيانو، وحينها تذكرت جيدًا ما قاله الطالب.

وفي تلك اللحظة تعمدت صوفيا أن تقوم بإسقاط نفسها من الجارور نحو الأرض، فأحدث ذلك ضجة كبيرة، وهنا كل الزهور ركضت نحوها وتحلقت حولها، وسألتها إن كانت قد أصيبت بأي ضرر أو أذى، وهنا سرعان ما أخذوها إلى وسط الحلبة حيث يسطع القمر ورقصوا معها، صوفيا كانت مسرورة للغاية، فأخبرتهم أن بإمكانهم الاحتفاظ بالسرير ويناموا به، وفي ذلك الوقت ردت الزهور بقولها: شكراً لك نحن لا يمكننا العيش طويلًا ففي الغد سوف نلقى حتفنا أخبري إيدا بأن تقوم بدفننا في حديقة المنزل، وسوف نعود وننمو من جديد في الصيف ونصبح أجمل بكثير.

وفي تلك اللحظة حزنت صوفيا كثيراً وقالت: أرجوكِ لا تموتي وقامت بتقبيل الزهور، في ذات اللحظة فتح باب الصالة، ودخلت جموع كبيرة من الزهور، لكن لم تعلم إيدا من أين دخلت كل تلك الزهور، ولكنها قالت: من المؤكد أنها زهور حديقة القصر جميعها، ثم بعد ذلك جاءت زهور أخرى عديدة ورقصت جميعها سوياً، وقبلت كل الزهور بعضها بعضًا، كم كان المنظر جميلً.

وفي النهاية ودعت الزهور بعضها البعض، وعادت إيدا إلى سريرها وحلمت بكل ما شاهدته، وفي صباح اليوم التالي توجهت مسرعة نحو السرير، من أجل أن تتأكد من إن كانت الزهور ما زالت هناك، ثم قامت بسحب الستارة من على السرير، كانت كل الأزهار هناك ولكنها ذابلة بأكملها، أكثر مما كانت عليه يوم أمس، بينما صوفيا فكانت مستلقية في الجارور كما وضعتها، وهنا سألت إيدا صوفيا: ألا تتذكرين شيء تريدين أن تخبريني به، ولكن صوفيا تعمدت الغباء ولم تقل شيء، فقالت إيدا: لقد رقصن سوياً.

وبعد مرور لحظات قليلة ماتت الزهور وتناولت إيدا علبة مصنوعة من الورق ففتحتها ووضعت الزهور الميتة بداخلها، وقالت: هذا هو تابوتها الجميل وعند وصول أبناء عمي إلى هنا سوف يشاركاني في دفن الزهور في الحديقة؛ وذلك من أجل أن تتجدد في فصل الصيف.


شارك المقالة: