تُعد هذه القصة من القصص القصيرة التي صدرت عن الأديب والفيلسوف أنطوان تشيخوف، وقد تناولت في مضمونها الحديث حول مدير مدرسة مضى أعوام طويلة في إدارة المدرسة، ولم يكن يقبل في أي يوم من الأيام أن يحصل أحد الطلاب في مدرسته على علامة متدنية، إلا أنه في يوم ما حدث ذلك، ولكن على الرغم من ذلك بقيت مدرسته مميزة.
قصة ناظر المدرسة
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول الشخصية الرئيسية فيها وهو رجل يدعى السيد فيودور، وقد كان يعمل السيد فيودور مدير لإحدى المدارس التابعة لأحد المصانع الذي يديره شخص يدعى كوليكين، وفي تلك الأثناء كان مدير المدرسة يتجهز من أجل حضور الحفل السنوي المعتاد، حيث أنه في كل سنة بعد الانتهاء من الامتحانات النهائية للمدرسة كان يقيم مدير المصنع مأدبة غداء وحفل كبير يدعو في العديد من الشخصيات البارزة في المنطقة، ومن بين تلك الشخصيات كان المفتش العام الذي يقوم بالتفتيش المستمر على المدارس، وبعض من مدراء المصانع.
وفي ذلك الوقت على الرغم من الطابع الرسمي الذي كان يطغو على الحفل، إلا أنه كان يتخلل الحفل الكثير من المرح والمزاح والسرور، كما كان كافة المدعوون يقضون أطيب الأوقات مع بعضهم البعض، إذ يتناولون وجبات الطعام ويشربون من أفخم أنواع الشراب وحين يحل المساء يتفرقون إلى منازلهم، وقد كان مدير المدرسة مستمر في حضور مثل تلك الحفلات على مدار ثلاثة عشر عاماً متتالياً، حيث أنه منذ أن تولى إدارة المدرسة وهو في نهاية كل عام دراسي يقوم مدير المصنع بإقامة مثل هذا الحفل.
وقد استمر مدير المدرسة في شغل هذا المنصب على مدار الثلاثة عشر عام، وقد كان هذا الحفل هو الحفل الرابع عشر، وفي ذلك اليوم بعد أن مرّ ما يقارب على ساعة كاملة وهو يقوم بتنظيف بدلته الجديدة ذات اللون الأسود بفرشاة الملابس، كما كان قد مضى ساعة أخرى أمام المرأة وهو يناظر حاله ويقوم بارتداء القميص ويحاول وضع الدبوس فيه ولكن دون فائدة، هنا أصيب بحالة تغيرت بسببها ملامح وجهه وقد ازدادت بداخله حدة العنف، وفي تلك اللحظة ذهب لزوجته والتي كانت سيدة مسكينة وبدأ في تهديدها بأعظم الأمور.
ولكن الزوجة في ذلك الوقت كانت قد أُنهكت كامل قواها الجسدية والنفسية، فهي مضت ساعات في التجوال حوله من أجل تلبية كافة متطلباته، وهو كذلك كانت قد استفذت قواه من شدة التوتر فبمجرد أن قام بإحضاره حذائه من المطبخ لم يتمكن من ارتدائه، وهذا ما دفع به إلى الجلوس لبعض الوقت في محاولة منه للاسترخاء قليلاً، وفي تلك الأثناء أخذت زوجته نفساً عميقاً وقالت: إنني آسفة، ولكن يتوجب علي أن أخبرك أنك أصبحت رجل متقدم في العمر وضعيف القوى ومن الأجدر بك أن لا تذهب لهذا الغداء.
وهنا حين سمع المدير هذا الكلام أصيب بحالة من الغضب الشديد وقاطع زوجته قائلاً: لا أريد منكِ أن تقدمي لي أيّ نصائح، فقد كان في تلك اللحظة ثائرًا إلى حد كبير، والسبب في ذلك هي نتيجة الامتحانات التي حصلها الطلبة، فعلى الرغم من انتهائها بصورة باهرة وحصل الطلاب على درجات عالية ومميزة وجوائز عدة، إلا أنه كان ما يثيره هو أن أحد الطلاب والذي يدعى بابكين والذي لم يكن قد أخطأ في الأملاء في السابق على الاطلاق، إلا أنه في هذه المرة قد أخطأ ثلاث مرات، وأن الطالب الآخر الذي يدعى سرجييف كان في وقت الامتحان شديد الاضطراب والتوتر؛ لذلك لم يدرك ناتج ضرب 17× 13.
وفي تلك الأثناء بعد أن تمكن من ارتداء المدير للحذاء وقد كان ذلك بمساعدة زوجته، نظر لنفسه مرة أخرى في المرأة وأمسك بين يديه عصاه وتوجه إلى الحفل، وما إن وصل إلى باب منزل مدير المصنع حتى حدث له حادث بسيط ودخل في نوبة سعال عنيفة حتى طارت قبعته من شدة الاهتزاز بسبب شدة السعال، وما أن سمع المعلمون والمفتش سعاله حتى هرعوا على الفور، وما إن وصلوا إليه حتى وجوده غارقاً في بحر من العرق، وهنا سأله المفتش: لماذا جئت وأنت بهذه الحالة، فرد عليه المدير: ولماذا لا أحضر، فرد المفتش عليه: لو أنك بقيت في المنزل لترتاح قليلاً، وهنا غضب المدير وقال: إن حالي اليوم كما كان حالي بالأمس، ولكن إن لم يكن مرغوب بوجودي من الممكن أن أرحل.
وفي ذلك الوقت بعد أن دخل المدير إلى الداخل ودنا الجميع من أجل تناول الطعام لاحظ المدير من بينهم الحاضرين ذلك الطالب الذي أملى بشكل خاطئ في الامتحان، وهنا اتجه المدير نحوه وقال له: لم تكن نتيجتك كبقية زملائك، وإن السادة الكرام لا يملون بهذه الطريقة، وهنا رد عليه الطالب وقال: ما زلت تفكر في ذات الموضوع أما سئمت من الأخذ والرد فيه، وهنا رد عليه المدير وقال: أنا أعلم لماذا أمليت بهذه الطريقة فهدفك هو أن تطيح بطلابي، وأن تبدو المدارس الأخرى في المنطقة أفضل من مدرستي، فرد الطالب: متحدياً لماذا تحاول أن تخلق مشكلة، وفي تلك اللحظة تدخل المفتش وحاول أن يهدأ من الحوار العنيف بينهم.
وهنا صاح الطالب وقال: إنه لن يترك هذا الحديث أبدًا فهو يوم باستغلال تعبه ومرضه من أجل أن يجلب المتاعب للجميع، وهنا رد المدير وقال: دعك من مرضي وبالأصل من أين جئت بفكرة مرضي، فأنت تثير ذلك الأمر من أجل أن تثير الآخرين للشفقة على حالتي، وما عليك إخباره هو أنك كنت أنت مريض قبل الامتحان أم ماذا؟.
وهنا حاول أحد المدرسين والذي يدعى الأب نيكولاي التدخل من أجل تهدئة من غضب الجميع، ولكن المدير قاطعه وقال: أنت كونك أب يتعظ به الجميع، فإنه يجب أن يكون كلامك واضح ومستقيم، وفي النهاية بعد تدخل العديد من الأطراف تمكنوا من تهدئه المدير واصطحابه إلى المائدة، ولكنه في تلك اللحظة ظل يردد ما يقول وبعد تناوله للغداء جاء دوره من أجل إلقاءه كلمته الرابعة عشر، حيث أوضح من خلال كلمته أنه كانت هناك الكثير من الدسائس في الخفاء، إلا أن وصل الأمر إلى حد كتابة تقارير سرية حول ما يدور في المدرسة والإرسال بها إلى الحاكم، ولكن على الرغم من كل ما يحدث بها كان طلابها من أفضل الطلاب على مستوى المنطقة بأكملها.
ثم بعد ذلك بدا في الحديث حول كرم المصنع في تزويد التلاميذ بالكتب والأدوات المدرسية والقرطاسية، كما حاول التطرق للحديث عن أعدائه إلا أنه كان يتوقف بين حين والأخر من أجل أن يلتقط أنفاسه، وأخيراً بدأ العرق يتصبب وقد أُنهكت كافه قواه، وأنهى حديثه بجملة واحدة وهي إن كل ذلك هو حصيلة الإرادة والعزيمة والإصرار على النجاح.