من المعروف عالمياً أن التشديد في الحراسة على السجناء تتم لهؤلاء الذين يرتكبون جرائم خطيرة، إلا أنه في قصتنا هذه سوف نرى لماذا تم تشديد الحراسة على المجرم، على الرغم من أنه لم يقوم بذلك الجرم العنيف.
قصة ستيفن راسل ملك الهروب من السجن
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول أحد الأشخاص الذي يدعى ستيفن، حيث أنه منذ أن ولد ستيفن في منتصف القرن التاسع عشر وهو يعتقد أنه أحد أبناء سكان إحدى الولايات التي تعرف باسم ولاية فيرجينيا المتدينين، وأنه والده من هؤلاء الذين كانوا يديرون إحدى الشركات الكبيرة الخاصة بإنتاج المواد الغذائية، ولكن حينما بلغ عمر التاسعة اكتشف أن ذلك الرجل ليس والده، وأنه في الحقيقة قد تم تبينيه وهو في سن مبكر، كما أن والدته قد تخلت عنه منذ أن ولادته؛ وذلك لأنه ولد خارج إطار الزواج، وقد علم في وقت لاحق أن والداه الحقيقيين قد تزوجا بعد ولادته وأنجبا أطفال آخرين، ولكنما لم يحاولا الاتصال به على الإطلاق.
وأول ما علم ستيفن بذلك الأمر بدأ في التصرف بطريقة سيئة وفي كل يوم كان يدخل في مشاكل مستمرة، ويوماً بعد يوم كان يتورط في الأعمال الإجرامية، ولم يعرف والداه بالتبني ماذا يفعلان حيال هذا الحال الذي وصل إليه ابنهما، حتى تلك اللحظة التي قررا بها أن يقوما بإرساله إلى إحدى الدور الخاصة في رعاية الأولاد، ومع مرور الأيام كبر في السن وبدأ في أول عمل هل كنائب ضابط شرطة متطوع، وأثناء عمله ذلك تعرف على إحدى الفتيات وتزوج بها وأنجب منها طفلة أطلق عليها اسم ستيفاني.
وحتى ذلك الوقت كانت أزمة تخلي والديه بالتبني عنه ما زالت تؤرق تفكيره، ولكنه بقي يعيش حياة كشاب عادي يعمل في مهنة الشرطة ويعزف على آلة الأرغن في واحدة من الكنائس المحلية، وفي يوم من الأيام توفي والده بالتبني، وقد كان ذلك الأمر قد تسبب له بأزمة نفسية حادة.
وأول ما قام به ستيفن هو أنه قام بطلاق زوجته والتخلي عن ابنته، ثم بعد ذلك قرر البدء في أعماله الخاصة والتي بدأت ببيع الساعات المقلدة من ماركة رولكس، ثم بعد ذلك قام بالاحتيال على إحدى شركات التأمين بمبلغ يقدر بخمسة وأربعون ألف دولار، ولكن لم تلفت تلك الأعمال انتباه القانون، ولم يتم إلقاء القبض عليه إلا بعد أن قام بتقديم جواز سفر مزور، وأول حكم تم إطلاقه على ستيفن كان السجن لمدة عشرة سنوات في أحد السجون التابعة إلى مقاطعة هاريس، وأثناء إقامته في السجن وصلت أخبار إلى ستيفن أن أحد أصدقائه المقربين مصاب بمرض نقص المناعة البشرية.
ولهذا قرر الهروب من السجن من أجل رؤيته قبل وفاته، وفي تلك الأثناء كان يقوم بمراقبة أحد الحراس بشكل جيد؛ وذلك حتى يتعرف على أنماط مناوبات الحراسة وقد تمكن من سرقة بنطال رياضي وقميص برابطة عنق من أغراض المساجين، كما تمكن من الحصول على راديو كان الحراس في العادة ما يحملون مثله، وفي تلك اللحظة التي قرر بها الهرب انتظر أن يذهب الحراس إلى استراحة التدخين المعتادون عليها، وبينما كانوا قد ارتدوا ثيابهم وأخذوا يسيرون باتجاه باب الخروج، وسار بينهم واستخدم الراديو للنقر على نافذة حارس البوابة الذي فتح له الباب وفجأة وجد نفسه على الطريق في الخارج ولم يكن يصدق ذلك في البداية.
ومن هناك سرعان ما توجه نحو شقة صديقه من أجل الاطمئنان عليه، ثم بعد ذلك غادر إلى دولة المكسيك، ولكن تلك الحرية لم تدوم طويلاً، ولم يكن ذلك جراء تعقب عناصر الشرطة له إلى المكسيك، ولكن ما حدث كان بسبب أنه تعرض لوعكة صحية شديدة هناك، وهذا ما استدعاه للعودة إلى للولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك من أجل تلقي العلاج المناسب، وأثناء تواجده في الولايات المتحدة عاد للعمل في مجال النصب والاحتيال من جديد على شركات التأمين، ولهذا تم اعتقاله مرة أخرى بعد أن بقي حراً طليقًا لمدة عامين تقريبًا.
وبعد مرور عدة سنوات لم ينأ عن نشاطه الاحتيالي، فقد عاد للتحايل على شركات التأمين كذلك، كما أنه تمكن من الحصول على وظيفة كمدير مالي لإحدى شركات الإدارة الطبية الضخمة وتمكن من الحصول على تلك الوظيفة بسبب مجموعة من الأوراق المزورة، وبعد أن تم قبول أوراقه وتعيينه تمكن من اختلاس مبلغ مالي يقارب على الثمانمائة ألف دولار، وقد تم ذلك بعلم عدد من المدراء التنفيذيين بالشركة، وعلى الرغم من أنه لم يكن لديه أي خبرة في هذا المجال، إلا أن المسؤول عنه أشاد بأن أداه في العمل كان أفضل من كل المدراء التنفيذيين الآخرين في الشركة.
ولكن في تلك الفترة تم اكتشاف اختفاء ذلك المبلغ المالي الكبير من أموال الشركة في غضون خمس أشهر فقط، وحينما تم اكتشاف أمره تم إرساله للسجن مرة أخرى، لكنه حينما تم إلقاء القبض عليه أخبر الضابط الذي جاء لاعتقاله أنه مصاب بمرض السكري في محاولة منه للتحايل على الضابط، ولكنها باءت بالفشل.
ثم بعد أن امتثل أمام قاضي المحكمة حكم عليه القاضي بدفع كفالة مقدارها تسعمئة ألف دولار، لكن محتال محترف مثل ستيفن تمكن في الجلسة التالية من انتحال شخصية القاضي وأخبر الموظف أنه خفض الكفالة إلى ما قيمته خمسة وأربعون ألف دولار، وفي صباح اليوم التالي دفع ستيفن الكفالة ورجع إلى منزله، لكن بعد أيام قليلة لاحظت السلطات أن هنا خطأ ما حدث في قيمة المبلغ الذي تم دفعه للإفراج عن ستيفن، وهذا ما دفعهم إلى إلقاء القبض عليه مرة أخرى، وفي هذه المرة تم الحكم عليه بالسجن لمدة أربعة وخمسين عامًا.
وفي أثناء تواجده داخل جدران السجن بدأ يفكر في خطة من أجل الفرار، وقد كانت خطته في هذه المرة شبيهه بالخطة السابقة التي فر بها من السجن، لكنه لم يقوم بسرقة زي الحرس بل تمكن من الحصول على عشرات من الأقلام الخضراء، ثم بعد ذلك قام بإفراغ أنبوبتها في الحوض الخاص به، واستخدمها لمن أجل صبغ زي السجن الأبيض باللون الأخضر، وهو ذات لون زي الأطباء الزائرين للسجناء، وقد كان حذراً للغاية عند صبغ الثياب؛ وذلك لأنه في حال قام بعصرها كانت سوف تترك خطوط عليها.
وبعد أن انتهى من صبغ الملابس قام بارتدائها وخرج بكل بساطة من السجن، وحينما تمكن من الخروج اعتمد ذات الملابس حتى يقنع أحد السائقين أنه طبيب وبحاجة إلى التوصيل، وقد برر طلبه ذلك من السائق أنه تعرضت سيارته لحادث بسيط، وبذلك تمكن من الابتعاد على الفور عن السجن، وفي تلك اللحظة الذي اكتشف أمر هروبه وقامت طائرة الهليكوبتر تطوف في أجواء المدينة للبحث عنه، كان هو يتناول قهوته في أحد المقاهي الواقعة في مدينة هيوستن.
ومن هناك توجه نحو ولاية مسيسيبي لكن تم تعقبه بسهولة وإلقاء القبض عليه، وبعد مضي عشرة أشهر فقد كثيرًا من وزنه وأظهر جميع علامات المراحل المتأخرة لأحد الأمراض الخطيرة، ولهذا تم إرساله إلى إحدى دور الرعاية التابعة للسجن، وأثناء تواجده هناك تلقى المسؤولين مكالمة هاتفية تفيد بأن أحد الأطباء يريد أن يقوم بتجربة عقار جديد على ستيفن، وأن عليهم إرساله له على الفور لتلقي العلاج، وبهذا يكون ستيفن حصل على الإفراج الطبي المشروط وخرج ببساطة من السجن دون أي خطط أو تعب، وبعد مرور أسبوعين تلقت إدارة السجن كلمة من ذات الطبيب تفيد بموت ستيفن.
ولكن في الحقيقة لم يكن ستيفن مريض، لكنه شاهد أحد أصدقائه المقربين السابقين وهو يحتضر، مما جعله ملم بالأعراض جيدًا، ولم يكن من الصعب على رجل محتال مثله أن يقوم بتزوير بعض التقارير الخاصة بمرضه وإرسالها إلى إدارة السجن من خلال البريد.
ولكن من سوء حظ ستيفن أنه حينما تقدم بطلب للحصول على قرض مالي من أحد البنوك وبعد أن تم التأكد من أمره، اكتشف أنه هو ذاته المحتال، وعلى ما تسبب به للسلطات تم الحكم عليه بالسجن لمدة قرن ونصف القرن، وعلى الرغم من أنه كان يخضع حينها إلى حراسة مشددة، إلا أن مسئولو السجن ما زال لديهم قناعة بأنه يخطط من أجل الهروب مرة أخرى.