قصة سر تماثيل جزيرة إيستر النائية Easter island Story

اقرأ في هذا المقال


تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول إحدى الجزر التي تحتوي على أعداد كبيرة من التماثيل، وبعد عمليات البحث والتحري حول سر تلك التماثيل تبين أنه جسدت من أجل الحصول على مياه الشرب العذبة.

قصة سر تماثيل جزيرة إيستر النائية

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في واحدة من الجزر التي تقع في المناطق الجنوبية الشرقية من المحيط الهادئ، وتشتهر تلك الجزيرة بالعديد من الأسماء، ولكن الغالبية العظمى من الشعوب كانت تطلق عليها اسم جزيرة إيستر، وموقعها على وجه التحديد كان في أقصى نقطة من المناطق الجنوبية الشرقية لواحد من أشهر المثلثات في تلك المنطقة وهو مثلث البولينيزي التابع إلى واحدة من القارات وتعرف باسم قارة أوقيانوسيا، وتلك الجزيرة تتسم بالعديد من المميزات ومن أبرزها أنها تحتوي على أكثر من ألف تمثال من تلك التماثيل التي وصفت بأنها ضخمة إلى حد كبير، وهذا النوع من التماثيل يطلق عليها اسم موي، وتمت صناعة تلك التماثيل على يد شعب رابا نويا.

وفي نهاية التسعينات من القرن التاسع قامت منظمة اليونسكو بإعلان عن تلك الجزيرة كواحدة من أجمل المواقع التراثية على مستوى العالم، كما تم ضم إلى تلك الجزيرة جزء كبير من المناطق المحمية داخل أحد المنتزهات الوطنية والذي يعرف باسم متنزه نوي، وحسب ما دون في كتب التاريخ هو أن سكان تلك الجزيرة وصلوا إليها للمرة الأولى في وقت قريب جداً من عام 1200م، كما تم ذكر أن تلك الشعوب هي من أوجدت الثقافة وساهمت في ازدهارها طوال تلك العقود الماضية، وعلاوة على ظهور العديد من الآثار الحجرية الضخمة في الجزيرة، كانت تظهر أعداد هائلة من القطع الأثرية.

ولكن في يوم من الأيام تم إصدار قرار بوجوب العمل على تجهيز وتهيأت أراضي تلك الجزيرة من أجل القيام بزراعة الأشجار والنباتات على أراضيها، وهذا الأمر قد تسبب في إزالة الغابات بشكل تدريجي، وبالتزامن مع وقت وصول الشعوب الأوروبية في العشرينات من القرن السابع عشر، كان عدد سكان الجزيرة في ذلك الوقت يقدر ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف نسمه، وتسبب وصول الشعوب الأوروبية بانتشار الأمراض، وفي فترة من الفترات انتشرت السرقة، ولم تكن السرقة سرقة أموال أو أغراض، وإنما كانت تتمثل في سرقة العبيد والرقيق.

وأكثر ما انتشرت الأمراض والسرقات كانت في واحد من المناطق والتي تعرف باسم مدينة بيرو، وأكثر ما تفاقم الأمر كان في فترة الستينيات من القرن التاسع عشر، ومن هنا بدأ سكان تلك الجزيرة بالهجرة إلى جزر أخرى مثل جزيرة تاهيتي، وتلك الهجرة استنزفت سكان الجزيرة مما أدى إلى انخفاض نسبتهم إلى مئة وإحدى عشر نسمة من نسبة السكان الأصليين في السبعينات من القرن الثامن عشر.

وفي فترة الثمانينات من القرن الثامن عشر قامت دولة شيلي التابعة إلى أمريكا الجنوبية بضم تلك الجزيرة، وفي الستينات من القرن التاسع عشر تم منح الشعوب المقيمة عليها الجنسية من دولة تشيلي، وهذا العدد الكبير من التماثيل كان يقع على أحد سواحل تلك الجزيرة النائية، وفي الكثير من الأحيان كان يطرح الباحثون العديد من التساؤلات حول أنه لماذا كل التماثيل بنيت ونحتت على ذلك الساحل على وجه التحديد؟ فعلى مدار العديد من القرون ساهمت تلك التماثيل الشهيرة والتي كانت منتشرة على طول ساحل تلك الجزيرة النائية في جنوب شرق المحيط الهادي في إثارة وحيرة علماء الآثار.

وبعد مرور فترة وجيزة ادعى فريق من علماء الآثار أنهم تمكنوا من الإجابة على واحد من أكبر الأسئلة المحيطة بتلك الأشكال الحجرية الغامضة، كما أنهم أشاروا إلى أنهم توصلوا إلى السبب الذي كان خلف بناء التماثيل في المقام الأول، حيث وجد فريق من الباحثين العاملين في إحدى الجامعات والتي تعرف باسم جامعة بينغهامتون أن إمدادات المياه الرئيسية لسكان تلك الجزيرة كانت السبب في تركيز التماثيل على سواحل الجزيرة؛ وذلك لأن فريق البحث توصل إلى أن هناك كمية صغيرة فقط من المياه العذبة المتوفرة على الجزيرة.

لذلك فإن الشعوب التي تقيم هناك يعتمدون بشكل أساسي في الحصول على مياه الشرب من خلال تصريف المياه الجوفية في المناطق الساحلية، وعلى الرغم من أن موقع التماثيل كان باستمرار مصدر للارتباك بالنسبة لعلماء الآثار والباحثين، إلا إن اكتشاف المصدر الرئيسي لمياه الشرب من سكان الجزيرة أجاب على هذا السؤال المحير.

ومع توصل فريق البحث وعلماء الآثار إلى العلم بموقع المياه العذبة، اتضح من خلال ذلك أن موقع تلك المعالم والميزات الأخرى التي تتميز بها لها معنى عظيم، إذ تبين أنه يتم الحصول على المياه العذبة منها بسرعة كبيرة، وكانت الخطوة الأولى لفريق البحث في اكتشاف المصدر الرئيسي لمياه الشرب في الجزيرة هو أنه تم استبعاد المصادر المحدودة الأخرى للمياه العذبة، فالجزيرة لديها فقط بحيرتين البحيرة الأولى من الصعب جداً أن يصلوا إليها سكان الجزيرة، والبحيرة الثانية يوجد بها نبع واحد وهو في أغلب الأحيان ما يتقلص ويصبح مستنقع الأراضي الرطبة.

وبالإضافة إلى ذلك الاكتشاف عثر فريق البحث على مجموعة من الصهاريج الصغيرة الحجم منحوتة في تلك الجزيرة، وتلك الصهاريج كان يتم استخدامها من أجل محاولة جمع الأمطار، ولكن على الرغم من المحاولات العديدة، إلا أنهم كانوا يجمعوا كميات قليلة جداً من المياه العذبة بها، حيث أن تلك الجزيرة تستقبل ما يقارب على تسعة وأربعون بوصة من الأمطار بشكل سنوي، ولأنه يتم جمع الأمطار من معدل التبخر المرتفع، فقد توصل فريق البحث والعلماء إلى أنه خلال ثلاثمئة وسبعة عشر يومًا من السنة، لن يكون بالإمكان استخدام الصهاريج كمصدر وحيد للمياه العذبة.

وفي النهاية أوضح أحد الباحثين المنضمين إلى الفريق ويدعى ليبو أن التربة البركانية التي كانت من السهل اختراقها تتميز بسرعة فائقة في امتصاص الأمطار، وهذا ما قاد إلى حدوث نقص في الجداول والأنهار، وحسن حظ سكان تلك الجزيرة أن المياه الموجودة تحت الأرض أصبحت تتدفق نحو الأسفل، وفي النهاية تخرج من الأرض مباشرة عند تلك النقطة التي تلتقي فيها الصخور الجوفية المسامية مع المحيط، ويحدث ذلك حينما يكون المد والجزر منخفض.

وهذا الأمر يقود إلى تدفق المياه العذبة بشكل مباشر في البحر، وبذلك يمكن للشعوب الاستفادة من مصادر المياه العذبة هذه عن طريق التقاط المياه في هذه النقاط، وقد ساهم اكتشاف ذلك الفريق الرائع في إلقاء الضوء المدهش في تاريخ التماثيل والحياة لسكان تلك الجزيرة، بالإضافة إلى جذب الباحثين لأدلة جديدة نحو فتح جميع أسرار الجزيرة المخفية، ومن عاش عليها منذ قرون عدة.

العبرة من القصة هو أن هناك الكثير من الأمور التي نجهلها في هذه الحياة، ولكن حين دراستها والاطلاع عليها بعمق نكتشف أنها بها سر عظيم.


شارك المقالة: