قصة علبة الغذاء The lunchbox Story

اقرأ في هذا المقال


هناك الكثير من الأشخاص ممن يعيشون في هذه الحياة لا يعلمون في الحقيقة ما هو هدفهم من هذه الحياة، ولربما في يوم من الأيام يحدث خطأ بسيط يكون بمثابة صحوة ذهنية ليرى الشخص حقيقة الشيء الذي يُشعره بالراحة والاطمئنان، تماماً كما حصل مع بطلة قصتنا لهذا اليوم، فخطأ صغير في العنوان الذي أرادت إرسال الطعام لزوجها والذي كانت تعاني من الحياة معه وتبحث عن طريقة من أجل التودد له أوصل بها إلى حقيقة ما ترغب به في حياتها، وهو الراحة والاستقرار مع من يرتاح له القلب وليس مع من يعاني منه القلب.

قصة علبة الغذاء

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في دولة الهند، حيث أنه في يوم من الأيام كان هناك أحد الرجال الذي يعرف باسم ساجان، توفيت زوجته منذ فترة طويلة ويعيش بمفرده في المنزل، كان يعمل كمحاسب في إحدى الوزارات الهندية التي تعرف باسم وزارة النقل منذ زمن طويل وعلى وشك الوصول إلى سن التقاعد، وأثناء تلك الفترة كان يتولى مهمة تدريب الزميل الجديد والذي بدوره سوف يشغل المنصب الذي يشغله ساجان.

ومن الجانب الآخر كان هناك فتاة شابة تدعى آيلا، وقد كانت آيلا فتاة متزوجة منذ فترة من رجل وهي ما زالت في مرحلة الشباب، وكان شغلها الشاغل باستمرار هو أنها تبحث عن أي طريقة ووسيلة من أجل الحصول على اهتمام زوجها، ودائماً تحاول إيجاد طرق عديدة من أجل إعادة الرومانسية لحياتها مع زوجها، ومن بين الطرق التي كانت تتبعها هو أنها تقوم بإعداد أشهى وألذ الأطباق من الطعام اللذيذ وتقوم بإرساله إلى زوجها من خلال إحدى أنظمة الإرسال النادرة في إحدى المدن في دولة الهند وهي مدينة مومباي، إذ كانت تقيم بها ويعرف بنظام الداباوالا.

ومبدأ هذا النظام كان في الأصل يعتمد على جمع وتقديم الوجبات الغذائية من المنازل والمطاعم إلى الأشخاص في أي مكان يتواجدون به داخل مدينة مومباي، وفي كل يوم كانت آيلا تقوم بإعداد وتجهيز علبة الطعام لزوجها وتقوم بإرسالها إلى جانبها عدد من بطاقات رسائل الحب والغرام؛ وذلك كي تخفف من الجفاء بينهما وتحاول إذابته، ولكن ما كان يحدث هو أن علبة الغذاء تلك كانت يحدث بها خربطة في العنوان المكتوب على إحدى البطاقات المرفقة بها مما جعل العلبة تصل عن طريقة الخطأ إلى السيد ساجان في مقر عمله بوزارة النقل، وفي كل مرة كان يقرأ بطاقات الحب والغرام المرفقة بها، ولكنه لم يكن يرد على واحدة من تلك البطاقات بل يتناول الطعام ويلتزم الصمت.

وفي يوم من الأيام كان السيد ساجان بعد الانتهاء من تناول وجبة الغداء قام بالرد على بطاقات السيدة آيلا من خلال بطاقة مكتوب بها أن ملح الطعام زائد، ويقوم بوضعها داخل الصندوق الذي توجد به وجبة الغذاء، وبعد أن وصل الصندوق إلى السيدة أيلا أدركت أن الوجبة كانت تذهب لرجل آخر، ولكن على الرغم من ذلك استمرت في إرسال الأكل مع الرسائل، ومنذ ذلك اليوم أخذت تستعين بعمتها التي كانت تسكن في الشقة التي أعلاها وتسألها عن أفضل الطرق من أجل القيام بعمل وجبة غذائية متكاملة؛ وذلك حتى تقوم بإعدادها بطريقه أفضل.

وفي اليوم التالي استمرت أيلا في كتابة رسالة تلو الأخرى إلى السيد ساجان مرفقة ببطاقات الحب والغرام، ومنذ ذلك الحين بدأت تبادل الرسائل ذهابًا وإيابًا بين كل منهما، وتطورت إلى أن أصبحوا يحكيان بها عن ظروف حياتهم وكل ما يمر بهم من أحداث ويتبادلان سوياً من خلال الرسائل الذكريات التي مرّ بها كل منهما، وأكثر ما جعل السيد ساجان يرتاح في الحديث معها هو أنه كان وحيدًا منذ وفاة زوجته لم يتعرف على أي سيدة على الإطلاق، إذ كان يعيش حياته في عزلة عن الآخرين، وهذا ما أخبر به السيدة أيلا في رسائله.

كما تطرق السيد ساجان في تلك الرسائل إلى الحديث عن أحد زملائه الجدد في العمل وهو ذات الشخص الذي يقوم بتدريبه، وقد كان هو صديقه الوحيد، كما أخبرها عن مدى قوة العلاقة بينهما، وأنه في الكثير من الأحيان كان ينقذه من أخطاء فادحة في العمل وبناء على ذلك أصبح هو أفضل صديق له ومقرب منه إلى حد كبير، أما عن أيلا فقد أخبرته من خلال رسائلها عبر صندوق الطعام بأن زوجها له علاقات غرامية مع فتاة أخرى وأنها بدأت تشعر بانهيار زواجها، وقد كانت تشير من خلال رسائلها أنها في الكثير من الأحيان تقترح على زوجها الانتقال إلى واحدة من المدن التي تعرف باسم مدينة بوتان، وفي يوم من الأيام في واحدة من الرسائل أشارت إلى رغبتها في مقابلة ساجان.

وبالفعل رد عليها ساجان بإرسال رسالة فيها موعد محدد للقاء بينهم، وقد كان الموعد في أحد المطاعم الشهيرة في المنطقة، وأول ما توجهت آيلا إلى ذلك المطعم في الوقت المحدد لا يظهر ساجان أمامها على الإطلاق، وهذا الأمر قد تسبب لها الشعور بالتوتر والقلق، ولكن ما حدث في الحقيقة هو أن السيد ساجان كان موجود في ذات المطعم ويشاهد أيلا من مكان بعيد، ولكن ما منعه عن الجلوس والحديث معها هو أنه ليس لديه المقدرة على الجلوس والحديث إليها بشكل مباشر، فقد كانت لديه الرهبة من الإقدام على مثل تلك التصرفات، فهو لم يعتاد على مقابلة النساء.

وفي اليوم التالي أول ما وصلت وجبة الغداء إلى مكتب ساجان رد عليها عبر صندوق الغذاء بأنه في الحقيقة وصل إلى المطعم في الموعد المحدد وشاهدها من مكان بعيد، ولكنه لم يستطيع الاقتراب منها والحديث عنها، وقد أشار إليها أنها شابة جميلة للغاية، وأنه في سن متقدم جدًا بالنسبة لها، ولهذا قرر الابتعاد عنها، وبعد مرور فترة من الوقت توفي والد أيلا وفي تلك الأثناء اعترفت أمامها والدتها بأنها كانت تعيش حياة تعيسة مع والدها.

وعلى إثر ذلك قررت أيلا أن تقوم بالبحث عن ساجان، على الرغم من أنه ابتعد عنها من فترة، وحينما توجهت إلى المكان الذي يعمل به أخبرها زميله الجديد أنه تقاعد عن العمل وتوجه للاستقرار في واحدة من المدن التي تعرف باسم مدينة ناسيك، وهنا قرر آيلا أن تكتب رسالة وداع للسيد ساجان وقد أخبرته بها أنها قررت ترك زوجها، وسوف تنتقل إلى مدينة بوتان وتصطحب معها ابنتها الصغيرة، وقد أرسلت بتلك الرسالة مع زميله الجديد وأول ما وصلت الرسالة إلى السيد ساجان قرر العودة على الفور للبحث عنها، وأول ما توصل إليها كانت بالفعل تحمل حقائبها وتنتظر عودة ابنتها من المدرسة كي تنتقل للاستقرار بعيدًا، فيلحق بها ساجان ويحمل معها الحقائب ويمضي معها هي وابنتها.

المصدر: كتاب من الأدب الهندي الحديث والمعاصر - سمير عبدالحميد - 2014


شارك المقالة: