قصة غابة على الأوتوستراد

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من الروائع الأدبية التي انتشرت بشكل واسع من الأدب الإيطالي، وقد صدرت عن الأديب ايتالو كالفينو، حيث تطرق من خلال مضمون القصة للحديث عن مدى البرد الذي يشعر به العائلات الفقيرة، وإلى أي مدى يدفع بالأشخاص من أجل التخلص منه وتوفير الدفء، وعلى وجه الخصوص تلك العائلات التي يكون فيها عدد من الأطفال.

قصة غابة على الأوتوستراد

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في إحدى الليالي الباردة من فصل الشتاء، حيث أنه في ذلك المساء كانت قد نفذت من بيت سيد يدعى ماركو فالدو آخر قطعة من الحطب، وهذا ما جعل كامل العائلة تجلس بشكل متناثر ملتف كل واحد منهم بمعطفه، وكل ما أمامها قطع من الجمر تشحب في المدفأة، ومن أفواه كل فرد من أفراد تلك الأسرة تتصاعد سحب البخار مع كل نفس.

وفي تلك الأثناء لم يعد أي فرد من أفراد تلك العائلة يتكلم فالصمت يعم الغرفة، وقد كان ما يعبر عن حالتهم تلك ذلك البخار الساخن الذي يخرج من أفواههم، إذ كانت الزوجة تخرجها بشكل طولي تشبه إلى حد ما التنهدات، والأبناء ينفثون بها على مجموعات متناغمة تشبه فقاعات الصابون، بينما السيد ماركو فقد كان ينفث بها إلى الأعلى بشكل غير منتظم تشبه إلى حد ما ومضات نبوغ سرعان ما تختفي.

وفي تلك الأثناء وبعد أن نظر السيد ماركو إلى حال عائلته فكر أنه ينبغي عليه أن يقوم بأمر ما، وأول ما بادر إلى ذهنه هو القيام بالبحث عن الحطب على الرغم من برودة الجو، وحينما تجهز للخروج من المنزل وضع ما يقارب على خمسة من الصحف بين السترة التي يرتديها والقميص؛ وذلك من أجل أن يقي نفسه من عاصفة الهواء بالخارج وقام بتناول المنشار وخرج، وفي تلك الليلة كانت تتبعه نظرات عائلته المفعمة بالأمل.

وفي ذلك الوقت أوضح السيد ماركو أنه من السهل القول أنني سوف أبحث عن الحطب في المدينة، إلا أن الأمر في الحقيقة في مثل تلك الأجواء صعب للغاية، ومن هنا توجه ماركو في بداية بحثه إلى إحدى القطع المجاورة للحديقة العامة في المدينة، وقد كانت قطعة الأرض تلك تقع على مفترق طريقين، وفي تلك اللحظات كانت المنطقة خالية من الناس تماماً، وأول ما بدأ به ماركو هو تفحص الشجيرات المتساقطة الأوراق واحدة تلو الأخرى وكل تفكيره في تلك اللحظة متركز على عائلته التي كانت تنتظره بأسنان مضطربة من شدة البرد.

وفي تلك الأثناء كان أصغر أبناء ماركو طفل يدعى مكيلين الصغير، وبينما كان ينتظر والده حتى يعود بالحطب أخذ بقراءة إحدى القصص التي كان قد استعارها من مكتبة المدرسة، وقد كان ذلك الكتاب يتحدث عن طفل ابن لأحد الحطابين، وقد كان قد قرأ مكيلين أن ابن الحطاب قد خرج ليجلب الحطب من الغابة بنفسه، وهنا قال مكيلين لنفسه: هذا هو المكان حيث يتواجد الحطب، ويجب أن ألحق بوالدي إلى ذلك المكان، وقد كان مكيلين قد ولد ونشأ في المدينة، ولم يتسنى له في يوم من الأيام  قد شاهد أبداً الغابة ولا حتى من بعيد، وقد عرض الأمر على شقيقيه، وبالفعل تناول أحدهم الفأس والثاني تناول خطاف والثالث تناول حبل وودعوا والدتهم ثم ذهبوا للبحث لجلب الحطب من الغابة.

في البداية توجهوا الأشقاء الثلاثة نحو المنازل المضاءة بالمصابيح، وإنما لم يشاهدوا سوى تلك المنازل المضيئة، بينما الغابة فلم يعثروا على أثر ظل لها على الإطلاق، وعلى الرغم من أنهم التقوا في طريقهم ببعض المارين، إلا أنهم لم يجرؤوا على سؤالهم أين تقع الغابة، وبقوا يسيرون في الطرقات إلى أن انتهى بهم الأمر ووصلوا إلى إحدى الطرق التي تعرف باسم طريق أوتوستراد.

وعلى جوانب تلك الطريق شاهد الأطفال الغابة، حيث كانت تمنع رؤية السهل ويوجد بها نباتات كثيفة من أنواع الأشجار الغريبة، والتي تتميز بالجذوع الرفيعة والمستقيمة ومنها ما كان هناك لها جذوع مائلة، وما هو أغرب من تلك الأشجار كانت الألوان الغريبة التي تتميز بها، حيث كان يشاهدونها من خلال انعكاس أضواء السيارات عليها، إذ تبدو الأغصان على شكل معجون الأسنان أو وجوه، وجميع تلك الأغصان كانت تبدو وكأنها مزينة بأوراق من الحروف الأبجدية.

وفي تلك اللحظة كان مكيلين قد أعجب بتلك المناظر ودعا شقيقاه مذكراً إياهما بالهدف الذي جاءوا من أجله ألا وهو الحطب، وهنا قطعوا إحدى الشجيرات الصغيرة والتي كانت على شكل زهرة الربيع الصفراء، وقطعوها إلى قطع صغيرة وحملوها إلى البيت على أكتافهم، وحينما عاد والدهم إلى المنزل بحمولته الضئيلة الأغصان الرطبة وجد المدفأة موقدة، وعندما شاهد ذلك المنظر سأل وهو مشيراً بيديه إلى بقايا اللوحة الإعلانية التي احترقت بسرعة كبيرة، وقال: من أين جلبتم هذه؟ فأجابه أبناءه: من الغابة، وهنا سأل مرة أخرى: وأين تلك الغابة؟ فأجابوا: تلك التي تقع على طريق الأوتوستراد.

ومن خلال حديث الأبناء رأى الأب أن الأمر بسيط وأن هناك حاجة من جديد إلى الحطب، ولذلك رأى أنه من الأجدر به أن يفعل مثل ما فعل أبناءه، وفي تلك الأثناء رجع الأب وخرج مرة أخرى من جديد بمنشاره وتوجه نحو طريق الأوتوستراد، وقد كان على تلك الطريق  شرطي يدعى استولفو يعمل في خدمة شرطة المرور، وهو رجل قصير النظر وبحاجة إلى استعمال النظارات في ساعات المساء، وقد كان يقوم بقيادة دراجته أثناء الخدمة، إلا أنه لم يجرؤ على البوح بذلك مخافة أن يشكل ضرراً على مستقبله الوظيفي.

وفي ذلك المساء كان قد أبلغ الشرطي عن حادثة سرقة قام بها عصابة من الأطفال، إذ أنهم قاموا بتقطيع اللوحات الاعلانية على الأوتوستراد، وقد كان مسؤول الشرطة قد القى بمهمة التحقيق في القضية إلى استولفو، وبينما كان يتحرى في الغابة عند دليل يستدل به على الأطفال، وقع نظره على طفل كان متسلق على الشجرة، وقد حاول استولفو الإمساك بالطفل إلا أنه الطفل هرب وفر بعيداً.

وفي تلك الأثناء بدأ يتفحص الشرطي لوحات الإعلانات، وقد كان من ضمنها ما يشير إلى حبوب الصداع، وقد كانت تصور رأساً ضخماً لرجل وضع يديه على عينيه من شدة الألم، وبينما كان الشرطي منشغل في أمر الإعلان حضر ماركو وتسلق إلى أعلى الشجرة وحاول قطع قطعة منها بالمنشار، ولكن فجأة سلط الشرطي الضوء عليه، إلا أنه حاول أن يتضاءل ويخفي نفسه خلف لوحات الإعلانات، ومكث للحظات دون أن يبدر أي حركة، ولكن في النهاية غادر الشرطي بعد أن لم يتوصل إلى أي شيء يدله على هؤلاء الأطفال، وقد أكمل السيد ماركو تقطيع الحطب بمنشاره، وعاد إلى المنزل محمل بالحطب الوفير لأبنائه.


شارك المقالة: