قصة فقدان بلوندين

اقرأ في هذا المقال


قصة فقدان بلوندين أو (Blondine Lost) هي قصة خيالية من كتاب الحكايات الشعبية الفرنسية الطويلة، وكل قصة لها عدة فصول، للمؤلف، (Comtesse de Ségur)، نُشرت عام 1920، للناشر: شركة (Penn Publishing Company)

الشخصيّات:

  • بلوندين.
  • غورمانديت.
  • الملكة فوربيت الشريرة.

قصة فقدان بلوندين:

كبرت بلوندين لتصبح في السابعة من عمرها بينما أصبحت أختها سمراء في الثالثة، كان الملك قد أعطى بلوندين عربة صغيرة ساحرة تجرها النعام، وكان يقود هذه العربة فتى يبلغ من العمر عشر سنوات، وهو ابن شقيق ممرضتها، كان الفتى الصغير الذي كان يسمى غورماندينت، قد أحب بلوندين بحنان، لقد كان زميلها في اللعب منذ ولادتها وقد أظهرت له كثيراً من اللطف.

لكن غورماندينت كان لديه خطأ فادح واحد، لقد كان مغرمًا جدًا بالأطعمة الشهية والأشياء الحلوة، لدرجة أنّه كان يرتكب أي عمل شرير تقريبًا للحصول على الحلوى وأكلها بشهية، وغالبًا ما كانت تقول له بلوندين: أحبك كثيرًا يا غورماندينت، لكنّي لا أحب أن أراك شديد الجشع، أطلب منك تصحيح هذا الخطأ الشرير الذي سيجعل الجميع يحتقرك لأجله.

شعر غورماندينت بالخجل بعد سماع كلامها ووعدها بالإصلاح، لكن للأسف! استمر في سرقة الكعك من المطبخ والحلوى من المتجر عند ذهابه للسوق، وفي كثير من الأحيان، كان يُجلد بسبب عصيانه وشراهتة، سمعت الملكة فوربيت من كثير من الخدم هذه الأخبار عن غورماندينت، وكيف يتم توبيخه باستمرار، وكانت ماكرة بما يكفي لتعتقد أنها قد تستفيد من ضعف غورماندينت وبالتالي تتخلص من بلوندين المسكينة.

وفي أحد الأيام فكرت أن تطلب من الفتى قيادة العربة الصغيرة التي يجرها النعام إلى غابة هائلة ورائعة، تسمى غابة الليلك، لأنّه طوال العام كانت هذه الغابة مغطاة دائمًا بأزهار رائعة، ومع ذلك، لم يدخل أحد إلى هذه الغابة، كان من المعروف جيدًا لدى الجميع أنّها كانت أرضًا مسحورة، وأنّه إذا دخل إلى هناك أي شخص مرة واحدة، فلن يتمكن من الهروب أو العودة منها.

عرف غورماندينت السر الرهيب لهذه الغابة، ولقد مُنع بشدة عن تحريك أو قيادة عربة بلوندين في هذا الاتجاه، خشية أن تمر بلوندين بالصدفة وتضع قدميها الصغيرتين على الأرض المسحورة، وفي كثير من الأحيان سعى الملك بنين إلى بناء جدار بطول الغابة بالكامل حول تلك الغابة المسحورة، أو لتأمينها بطريقة ما بحيث يجعل الدخول إليها مستحيلًا.

لكن لم يكد العمال قد وضعوا الأساس حتى قامت قوة غير معروفة وغير مرئية برفع الحجارة واختفت عن الأنظار، لذلك يأس الملك من المحاولة التي كانت دائماً دون جدوى، في تلك الأثناء سعت الملكة فوربيت بجد لاكتساب صداقة غورمانديت من خلال إعطائه كل يوم بعض الحلوى اللذيذة، وبهذه الطريقة جعلته عبداً كاملاً لشهيته لدرجة أنه لا يستطيع العيش بدون الحلوى والكعك الذي قدمته له بإسراف.

وأخيراً أرسلت إليه ليأتي إليها وقالت: عزيزي غورمانديت، يعتمد الأمر كليًا على نفسك فيما إذا كان سيكون لديك صندوق كبير مليء بالحلوى وأطباق لذيذة أو لن تأكلها مرة أخرى خلال حياتك، لم يفهم الفتى في البداية ماذا تريد الملكة الشريرة، ولكنّه قال: لا آكل الحلوى مرة أخرى يا سيدتي، لا بدّ أن أموت من هذه العقوبة،  تحدّثي، يا سيدتي أرجوكي، ما الذي يجب أن أفعله للهروب من هذا المصير الرهيب؟

قالت الملكة وهي تنظر إليه بثبات: من الضروري أن تقود الأميرة بلوندين بالقرب من غابة ليلاك، فنظر الفتى باستهجان وقال: لا أستطيع أن أفعل ذلك يا سيدتي، لقد حرّم الملك ذلك، وحذرني من دخول الأميرة لتلك الغابة، فقالت الملكة: لا يمكنك فعل ذلك، حسنًا، وداعًا، ولكن لا مزيد من الحلوى لك، وسأطلب من كل شخص في المنزل ألا يعطيك شيئًا.

قال غورماندينت وهو يبكي بمرارة: سيدتي، لا تكوني قاسية للغاية، أعطني أمرًا يمكنني تنفيذه، فقالت الملكة الخبيثة بثبات: يمكنني فقط أن أكرر أنني أمرتك بقيادة الأميرة بلوندين بالقرب من غابة الليلك، وأن تشجّعها على النزول من العربة، وعبور الحاجز والدخول إلى الأرض المسحورة، أجاب غورمانديت وقد أصبح شاحباً جدًا : إذا دخلت الأميرة هذه الغابة، فلن تستطيع الهروب منها أبدًا.

ثمّ قال: أنت تعرفين عقوبة الدخول على الأرض المسحورة، ولإرسال أميرتي العزيزة هناك يجب أن نتخلى عنها من أجل الموت، قالت الملكة وهي عابسة بخوف: للمرة الثالثة والأخيرة، أسأل عمّا إذا كنت ستأخذ الأميرة إلى الغابة؟ يجب أن تختار! إمّا علبة ضخمة من الحلوى سأجددها كل شهر لك، أو لن تتذوقها أبدًا مرة أخرى مادمت تعيش هنا، فتساءل الفتى: ولكن كيف أهرب من العذاب الرهيب الذي سيلحق بي جلالته؟

قالت الملكة: لا تنزعج من هذا الحساب، بمجرد أن تحث بلوندين على دخول غابة الليك، عد إلي، وسأخرجك من الخطر مع الحلوى الخاصة بك، وسأوفر لك بنفسي ثروتك المستقبلية من الحلوى والمأكولات اللذيذة، قال الفتى:  يا سيدتي، أشفقي عليّ، لا تجبريني على قيادة أميرتي العزيزة إلى الدمار، إنّها الوحيدة التي كانت دائمًا لطيفة معي.

قالت الملكة: ما زلت متردداً، أيها الجبان البائس! ما أهمية مصير بلوندين بالنسبة لك؟ عندما تطيع أوامري، سأجعلك تقوم في خدمة الأميرة سمراء وأعلن لك رسميًا أن الحلوى لن تفارقك أبدًا، تردد غورماندينت وفكّر لحظات أطول، وللأسف! أخيرًا قرر التضحية بالفتاة  الصغيرة الطيبة لشراهتة، وبقي في ذلك اليوم مترددًا واستلقى مستيقظًا طوال الليل يبكي بمرارة وهو يحاول اكتشاف طريقة للهروب من قوة الملكة الشريرة.

لكنّه كان على يقين من الانتقام المرير للملكة إذا رفض تنفيذ أوامرها القاسية، وكان لديه الأمل في إنقاذ بلوندين في يوم ما في المستقبل من خلال طلب مساعدة بعض الجنيّات القوية، ثمّ انتصر على استيائه وقرر أن يطيع الملكة، وفي الساعة العاشرة صباحًا، أمرت بلوندين بإحضار العربة الصغيرة لأنّها تريد الذهاب في رحلة قصيرة، وبعد أن احتضنت الملك والدها ووعدته بالعودة في غضون ساعتين غادرت القصر.

وبعد حضور غورماندينت الذي قاد بهوء وكان حزيناً متردداً، وعند البدء قام بتوجيه النعام بعيدًا عن غابة الليلك، ومع ذلك، عندما كانوا بعيدًا عن أنظار القصر تمامًا، غيّر مساره واستدار نحو الحاجز الذي يفصلهم عن الأرض المسحورة، كان حزينًا وصامتًا، فقد أثّرت جريمته على قلبه وضميره، فقالت الأميرة بلوندين بلطف: ما المشكلة؟ أنت لا تقل شيئًا هل أنت مريض يا غورماندينت؟ هل حدث شيء سيء معك؟

أجاب الفتى: لا، يا أميرتي، أنا بخير، فقالت بلوندين: لكن كم أنت شاحب! أخبرني ما الذي يضايقك، أيها الفتى الفقير، وأعدك ببذل كل ما في وسعي لجعلك سعيدًا، كانت تلك الاستفسارات والاهتمام اللطيفين من بلوندين تخفف من قلب غورمانديت القاسي، لكنّ ذكرى الحلوى الذي وعدت به الملكة الشريرة فوربيت، سرعان ما أبعد الأفكار الطيبة من عقله.

وقبل أن يتاح له الوقت للرد، وصل النعام إلى قضبان غابة الليلك، فقالت بلوندين: أوه! ياله من ليلك جميل! يا له من عبق، كم رائحته لذيذة! يجب أن أحصل على باقة من تلك الزهور الجميلة لأبي الطيب، انزل يا غورمانديت وأحضر لي بعضًا من تلك الأغصان الرائعة، فقال الفتى بخبث: لا يمكنني ترك مقعدي، أيتها الأميرة فقد تهرب النعام بك أثناء غيابي.

أجابت بلوندين: لا تخف، يمكنني أن أرشدهم بنفسي إلى القصر، فقال الفتى: لكنّ الملك سيوبخني بشدة لأنّني تخليت عنك، أيتها الأميرة، من الأفضل أن تذهبي بنفسك وتجمعي زهورك، فقالت الأميرة: هذا صحيح، سأكون حزينة جدًا لو كنت سبباً في توبيخك يا غورمانديت المسكين، وأثناء قول هذه الكلمات، قفزت بخفة من العربة، عبرت قضبان الشبكة وبدأت في جمع الزهور.

وفي هذه اللحظة ارتجف غورماندينت وغمره الندم، كان يرغب في إصلاح خطئه عن طريق إحضار بلوندين، ولكن على الرغم من أنّها كانت على بعد عشر خطوات منه فقط، وعلى الرغم من أنّه رآها تمامًا، ولكنها لم تستطع سماع صوته، وفي وقت قصير فقدت الرؤية في الغابة المسحورة، ولوقت طويل، بكى غورماندينت على جريمته وشتم واحتقر الملكة الشريرة فوربيت.

أخيرًا، تذكّر أنّ الساعة قد اقتربت والتي من المتوقع أن تصل فيها بلوندين إلى القصر، ثمّ عاد إلى الاسطبلات من خلال المدخل الخلفي وركض على الفور إلى الملكة التي كانت تنتظره بقلق، وعندما رأته شاحبًا جدًا وعيناه ملتهبتان من دموع الندم المروع، عرفت أن بلوندين قد هلكت، وقالت: هل تمّ ذلك؟ حنى غورماندينت رأسه، ولم يكن لديه القوة للتحدث.

فقالت له: تعال وانظر إلى أجرك! وأشارت إلى صندوق كبير مليء بالحلوى اللذيذة من كل نوع، وأمرت خادمًا برفع الصندوق ووضعه على إحدى البغال التي أحضرت مجوهراتها، وقالت: أحمل هذا الصندوق إلى غورماندينت، لكي يأخذه إلى والدي، ثمّ قالت: اذهب أيها الفتى، وارجع في آخر الشهر، ووضعت في يده في نفس الوقت حقيبة مليئة بالذهب.

ركب غورمانديت البغل في صمت تام، وانطلق بسرعة كبيرة، كان البغل عنيدًا وسرعان ما أصبح مضطربًا تحت ثقل الصندوق وبدأ في القفز والركل، لقد فعل هذا بشكل قوي لدرجة أنّه ألقى غورمانديت وصندوقه الثمين من الحلوى على الأرض، سقط غورمانديت الذي لم يركب حصانًا أو بغلًا بشدة ورأسه على الحجارة ومات على الفور.

وهكذا لم يحصل من جريمته على الربح الذي كان يأمل، لأنّه لم يتذوق حتى الحلوى التي أعطتها له الملكة، ولم يندم عليه أحد، ولم يحبه أحد سوى بلوندين المسكينة.


شارك المقالة: