من أسمى الصفات البشر وأصدقها هي التضحية من أجل من نحب، وتسمو تلك الصفة أكثر حينما تكون تلك التضحية دون مقابل، وهذا ما حدث في قصتنا لهذا اليوم، تابع معنى عزيزي القارئ القصة للنهاية، لنرى كيف ظهرت التضحية في أكثر من موقف من مجريات أحداث القصة.
قصة فيرا زارا
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في دولة الهند حول الشخصية الرئيسية وهو شاب يدعى فير، كان يعمل كطيار على الخطوط الجوية الهندية وفي يوم من الأيام وعلى متن إحدى الرحلات التقى بفتاة تدعى زارا، كانت تلك الفتاة من أصول باكستانية وقادمة من دولتها في رحلة للهند من أجل نثر رفات مربيتها في أحد الأنهار الذي يعرف باسم نهر الغانغ، حيث أنه كانت تلك هي وصية المربية لها في أيامها الأخيرة.
ومن أول مرة التقى بها الطيار مع تلك الفتاة الباكستانية وقد وقع في حبها، وهي كذلك من أول مرة رأته أصبحت تشعر تجاهه بمشاعر حب وغرام، فالحب لا يعرف الحدود ولا المسافات، وفي مرة من المرات تقدم الطيار من أجل التحدث معها، وحينما وقف إلى جانبها أخبرها أنه التقى مع خطيبها الذي أوصلها إلى المطار، ولكن ما لم يكن يعرفه الطيار هو أن خطبة تلك الفتاة الباكستاني وزواجها جاء من أجل حماية مصالح والدها السياسية؛ وذلك لأنها كانت تنحدر من أسرة سياسية عريقة، كما أن خطيبها ذو نفوذ وسلطة كبيرين.
وفي ذلك الوقت منذ أن غادرت الفتاة الباكستانية دولة الهند وقد غادر معها قلب الطيار، وأول ما وصلت الأراضي الباكستانية أن قلبها ما زال معلق في الهند وليس معها، وأثناء المراسم التي كانت تقام من أجل حفلة خطوبتها والتي أجلتها لأكثر من مرة كانت تطغو على ملامحها مشاعر الحزن والأسى لحالها، وفي كل لحظة كان طيف الطيار يلازم خيالها، فأدركت أنها بدون الحياة مع ذلك الطيار سوف تعيش في عذاب إلى الأبد.
وفي تلك الأثناء كان من أكثر الحاضرين في الحفل من الذين يشعرون بتلك الحالة التي تمر بها زارا هي خادمتها، وهنا قدمت لها هاتفها وأشارت لها أنها ينبغي عليها أن تختار ما يرتاح قلبها له؛ وذلك حتى لا تندم فيما بعد، وبالفعل سمعت زارا نصيحة خادمتها وقامت بالاتصال مع الطيار وطلبت منه أن يقدم من أجل أن يخلصها من ذلك العذاب التي تشعر به، كما صرحت له بمشاعرها وأحاسيسها نحوه.
ولكن في تلك الفترة كانت ممنوع أن يقوم أي طيار يعمل في القوات الجوية أن يدخل الأجواء الباكستانية، ولكن من شدة حبه للفتاة الباكستانية قام بتقديم استقالته والتوجه إلى موطن حبيبته، ولكن ما أصاب الطيار بالصدمة هو أنه حينما وصل وتقدم من أجل طلب يد الفتاة قوبل طلبه بالرفض الشديد من قِبل والدها وعائلتها بأكملها، وفي صباح اليوم التالي ذهبت إليه والدتها المريضة في الفندق الذي كان يقيم به وتضرعت إليه من أجل أن يرحل ويبتعد عن عائلتها؛ وذلك حتى لا يلحق العار بأسرتها في حال قامت ابنتها بتر خطيبها والفرار معه.
وفي تلك الأثناء احترم الطيار سن والدتها ومرضها ورغبة أهلها وقدر صمت الفتاة، وعلى الفور قام بالحجز والعودة إلى موطنه وغادر الباكستان على متن إحدى الحافلات المتوجهة للهند، ولكن ما حدث في تلك اللحظات أنه تم إلقاء القبض عليه قبل المغادرة بإشارة من خطيب زارا، ثم بعد ذلك تعرضت الحافلة التي كان سوف يعتليها الطيار إلى حادثة كبيرة من خلال الاصطدام بشاحنة كبيرة وعلى إثر ذلك يلقى جميع من عليها حتفهم.
وفي ذلك الوقت تم استدعاء الطيار من قِبل السلطات الباكستانية، وبعد استجوابه حاول أن يؤكد لهم مراراً وتكراراً أنه كان في زيارة عابرة لباكستان وسوف يعود إلى موطنه على الفور، ولكنهم في تلك الأثناء طلبوا معرفة اسم الشخص الذي كان يقوم بزيارته، لكن الطيار النزيه رفض أن يفصح عن اسم الفتاة الباكستانية؛ وذلك حتى لا يظن بها أحد ظن السوء، وتتعرض هي وعائلتها التي كانت في مركز حساس للأذى، ولكن في تلك اللحظة قام خطيب الفتاة بتخييره بين السجن أو إلحاق العار بعائلة تلك الفتاة.
وقد كان ذلك التهديد قد أجبره على التوقيع على أحد الأوراق التي تفيد بأنه يعمل كجاسوس لصالح المخابرات الهندية، وقد اختار أن يتم إلقاء تلك التهمة عليه على أن يتسبب بالضرر والأذية لتلك العائلة وابنتهم، وقد تم الحكم عليه بما يقارب على الاثني وعشرين عاماً، وقد قضى تلك المدة وهو حبيس بين جدران الزنزانة الحديدية على جرم لم يرتكبه في يوم من الأيام، إلا أن جاء ذلك اليوم الذي جاءت به إحدى المحاميات والتي تدعى سامية، وقد كان لتلك المحامية دور كبير في فك اللجام عن فم ذلك السجين الصامت.
فقد كان لدى تلك المحامية يقين بأن خلف ذلك السجين قصة حزينة يخفيها بين ضلوعه، وأول ما جلست معه استمعت إليه وأعطته الأمل في الخروج وبدء حياته من جديد، ولكنها على الرغم من كافة الصفات الحسنة التي كانت متواجدة إلا أنه اشترط عليها أن لا يتم ذكر اسم زارا في المحكمة، فوعدته بذلك وبدأت في التقصي عن الطيار الهندي فير وتأكدت أن كل ما قاله كان صحيح.
وحينما بحثت المحامية عن تلك الفتاة التي طلب الطيار عدم ذكر اسمها كانت المفاجأة، حيث أن تلك الفتاة لم تتزوج من خطيبها بعد سماعها عن موت الطيار في انفجار الحافلة، ثم بعد ذلك غادرت وطنها وسافرت لموطن الطيار، وهناك قررت قضاء ما يقارب على الاثنان والعشرون عامًا في منزله؛ وذلك حتى تحيا مع عائلته كما تمنى هو وتمنت هي، ولكنها كانت تحيا وحيدة دون أمل.
وبذلك وجدت المحامية مفتاح القضية حيث أن الفتاة الباكستانية أخبرتها بذاتها حول قصتهم، ولكن المحامية أخبرتها أن الطيار ما زال على قيد الحياة، وفي يوم المحاكمة جاءت الفتاة الباكستانية ليراها الطيار كما رآها أول مرة منذ زمن طويل، فعلى الرغم من الشعر الأبيض وملامح العجز التي بدت عليهما، إلا أن أرواحهما كانت تحلق في قاعة المحكمة، تقابل الحبيبان بعد أن ظنا أن لا لقاء قد يجمعهم، وتكلمت الفتاة الباكستانية لتبرئ ساحة حبيبها الطيار.
وفي النهاية ألقى الطيار كلمة فولاذية جسدت مأساة تقسيم دولتي الهند وباكستان، وقد كانت تلك الكلمة كسرت كل الحدود وعبرت عن جميع الصراعات، فأشار إلى أن الطيار الهندي حينما أحب، أحب فتاة باكستانية، وحينما تم حبسه ظلمًا مدت له شعاع النور ودافعت عنه محامية باكستانية، فلولا الهند ما كانت باكستان ولولا باكستان ما كانت الهند.