تناولت هذه القصة في مضمونها الحديث حول إحدى القبائل التي كانت من أوائل من سكنوا واستقروا في مناطق محددة من دولة أستراليا، ولكن بعد مرور عقد من الزمان جاء إليهم مجموعة من السكان من مدينة سيدني مما تسبب في تقلص أعداد سكان تلك القبيلة.
قصة قبائل الأبوريجينيون
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى القبائل والتي تعرف باسم قبيلة الأبوريجينيون، وقد كانت تلك القبيلة هي من أوائل القبائل التي وصلت إلى دولة أستراليا قبل حتى أن تصلها الشعوب الأوروبية، وأول مكان أقامت به هو المناطق الشمالية من مدينة سيدني على امتداد الشواطئ الأمامية لأستراليا، والمهنة الرئيسية التي كانوا يحصلون منها على قوتهم اليومي هي الصيد في المياه والمناطق النائية داخل المنطقة، وفي بعض الأحيان يحصلون على بعض الطعام من الغابات المحيطة بهم.
وقد كان أفراد تلك القبيلة من الأشخاص المكتفين بذاتهم، كما أنه كانت العلاقات فيما بينهم متناغمة ووطيدة إلى حد كبير، ولم يكونوا يحتاجون في يوم من الأيام للسفر إلى خارج موطنهم، وما كان يساعدهم على ذلك هو أن الموارد التي كانوا يحتاجها كانت وفيرة للغاية في المناطق التي يقيمون بها، ولكن في بعض الأوقات كانوا يقومون بالتجارة مع المجموعات القبائل الأخرى، وتلك التجارة تكون وفقًا لمواسم، وكافة أبناء القبيلة يحتاجون للعمل اليومي لحوالي أربع أو خمس ساعات يوميًا؛ وذلك حتى يضمنوا بقائهم على قيد الحياة، وباقي الوقت كانوا يقومون به بالتطوير من أنفسهم.
كانوا أفراد تلك القبيلة الكبيرة يتحدثوا ما يفوق مائتي لغة متنوعة، واعتبرت تلك القبيلة من أكبر الكيانات التي تم التعرف عليها والتي لها لهجات لغوية عديدة، وعلى إثر تواجد تلك القبيلة على شكل مجموعات فقد كان يتم الإشارة إليهم من قبل الشعب الأوروبي باسم القبائل، فقد كانت تلك المجموعات تقارب على خمسمئة مجموعة وجميعها تعيش معاً ومرتبطة إقليمياً، وكافة تلك المجموعات كان يتشارك أعضاؤها ذات السمات الثقافية وباستمرار كانوا يتفاعلوا مع بعضهم البعض أكثر من تفاعلهم مع باقي المجموعات المتنوعة التي تقيم في المكان.
ولكن انقسام تلك المجموعات لم يكن يمثل أي شكل من أشكال الكيانات السياسية أو حتى الاقتصادية، وعلى الرغم من أن هذه اللغات مشهورة الاستخدام بين تلك المجموعات للتواصل مع بعضهم البعض، إلا أن الهوية الفردية للشخص أو للجماعة كانت تقوم على مجموعة من الانتماءات والعضوية التي لها توجهات محلية، فلم يكن هناك أي وعي لدى تلك القبائل بهوية وطنية موحدة ومشتركة، ولكن مع كل ذلك فقد كانت تلك النظرة العالمية لتلك القبائل سطحية.
وأول ما بدأت تلك القبائل التوطين في تلك المناطق كانت قد انتقلت من قارة إفريقيا على شكل مجموعة من الرحلات البحرية عبر طريق الجزيرة التي تقع في المناطق الجنوبية الشرقي من قارة آسيا، وقد كانت تلك الرحلات هي الرحلات الأخيرة لهم، والتي كانت كل مجموعة تبقى ما يقارب على أربعة إلى سبعة أيام من التجديف، وكل المجموعة مكونه كحد أدنى مئة شخص وكحد أقصى أربعمئة شخص.
وذات مرة تم الإشادة إلى أن قارة استراليا شهدت العديد من رحلات التنقل من البشر وجميعهم كانوا قادمون من قارة إفريقيا، ولكن ذلك كان قبل خمسين ألف عام، ولكن في السجلات التاريخية حول تلك الفترة أنه لم يقطنها أحد قبل تلك القبيلة، وتلك القبيلة لم يكن متوكل أمورهم أي رئيس أو مؤسسة مركزية من أجل الرقابة الاجتماعية في مختلف المجالات، ولكن على الرغم من ذلك كان يظهر على مجتمعات تلك القبائل اتجاهات هرمية.
كما كانت حياتهم لا يدخلها أي من التقسيم الطبقي وتسودها روح المساواة وعلى وجه التحديد بين الرجل والمرأة، وطوال فترة إقامتهم في تلك المناطق كانوا يعيشون حياة بسيطة وتمكنوا من إثبات أن زعماء القبيلة أشخاص يتحلون بالذكاء والفطنة والحكمة والقوة واستطاعوا أن يقودوا القبيلة في الطريق والاتجاه الصحيح، بالرغم من عدم تواجد تلك التقدمات العصرية على أرض تلك المناطق.
وفي يوم من الأيام وعلى وجه التحديد في الثمانينات من القرن السابع عشر وصل أحد الأشخاص ويدعى الكابتن آرثر فيليب وقد كان برفقته ما يقارب على الألف وخمسمئة سجين بالإضافة إلى طاقم من مشاة البحرية وعدد من الأشخاص المدنيين من سكان مدينة سيدني بأستراليا، ومنذ ذلك الوقت وعلى مدار عشر سنوات بعدها انخفض عدد السكان القبيلة ما يفوق نسبة 90%، وقد كان يعود ذلك الانخفاض الشاسع إلى ثلاثة أسباب.
وأولهم هو أن الأمراض بدأت تدخل إليهم، والسبب الثاني كان يكمن في أن المواطنين الجدد قاموا بالاستيلاء على الأراضي التي كانت من ممتلكات القبيلة، والسبب الثالث كان يتجسد في الصراع المباشر والعنيف مع المستعمرين، كان الهدف الأساسي من الاستعمار هو التخفيف من ازدحام السجون التابعة إلى مملكة بريطانيا، والعمل على توسعة الإمبراطورية البريطانية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى ذلك السعي من أجل إنشاء قاعدة بريطانية في المناطق الجنوبية من العالم.
أما بالنسبة إلى الثقافات التي ولدت داخل سكان القبيلة الأصليين قبل أن يتم استعمارهم، كانت يتم عمل تجمعات عامة بين السكان بينهم وبين القبائل المجاورة لهم ويقومون بالعديد من الأنشطة الاجتماعية، كما أنه كان هناك العديد من احتفالات التي تقام حينما يصل الأطفال الصغار إلى سن الرشد وأخرى كانت تتم حينما يتوفى أحد منهم، وتلك الاحتفالات كانت من الأمور والمعتقدات المقدسة للغاية، كما كان هناك احتفالات مع السكان المجاورين خاصة بالرجال فقط وأخرى خاصة بالنساء فقط، ولكن كافة تلك الطقوس والمعتقدات تم قمعها من قِبل المستعمرين الجدد.
وأثناء قيام تلك الاحتفالات كان يتوجب على كل فرد مشارك في ذلك الاحتفال القيام بالرسم على جلده بالمغرة، وهي ما تعرف بأنها أحد أنواع النباتات التي تتميز بصبغتها الدائمة، وفي العادة كان يقوم كل شخص بالعديد من الرسومات الخاصة والذي يتضمن أنماط خاصة به أما أن تكون فردية أو عائلية، وتلك الرسومات لكل فرد لا يتم السماح لأي شخص آخر أن يرسمها، إذ أنها كانت رسومات ترمز إلى قصة الشخص ومكانته، أما إذا تحدثنا عن الاحتفال بالرقص، فغالبًا ما يتم القيام بتصميمات للرقص وفقاً لقصة يراد سردها عن الشخص صاحب الاحتفال، ولذلك كان يعتبر الرقص جزء كبير ومهم للغاية من ثقافة القبيلة، ولكن ما كان غريب في الأمر هو أنه لم يتم توثيق أي من ذلك التاريخ في أي كتب، بل كان يتم تناقل تلك الثقافة من جيل إلى جيل بشكل شفهي.
وفي فترة من الفترات كان هناك العديد من الأشخاص وحتى المنظمات الذين كانوا يعملون دون كلل أو ملل من أجل تقديم الدعم وإحداث تغيير وتطوير للحياة المعيشية للقبيلة وذلك من خلال السعي لوضع قوانين وسياسات ومواقف ثابته للمجتمع، وذلك حتى يتمكن سكان مجتمع القبيلة من الوصول إلى النجاح والازدهار والتقدم، فعلى سبيل المثال تم القيام بتأسيس دور لرعاية الأطفال وحمايتهم والتأكد من أن هؤلاء الأطفال والشباب سوف يكبرون في أمان ويتم الاهتمام بهم جيداً من قبل الأسرة والمجتمع والثقافة.
العبرة من القصة أنه لا يمكن لأي شيء أن يستمر على حاله مهما مر عليه عقود من الزمان، لا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي تتغير به كافة الأحوال والأوضاع، ولكن من المؤكد أن كل شعب يترك خلفه طابع على أرض تلك المنطقة التي عاش بها لفترة من الزمن.