قصة قصيدة أبلغ أبا الجارود عني رسالة
أمّا عن مناسبة قصيدة “أبلغ أبا الجارود عني رسالة” فيروى بأنه كان لأبي الأسود الدؤلي دكان على باب بيته، وكان دائمًا ما يجلس أمام هذا الدكان على مرتفع عن الأرض، بحيث يضل إلى صدر الرجل، وكان أبو الأسود يضع أمامه خوان فيه طعام، فكان إذا مر أحدهم من أمامه دعاه إلى الطعام، فلا يجد الرجل مكانًا يجلس فيه، فيشكره على دعوته، ويغادر وهو يشكر في كرم أبي الأسود.
وفي يوم من الأيام مر به رجل، فدعاه إلى الطعام، فأقبل الرجل، وأمسك بالخوان، ووضعه أسفل، ثم جلس يأكل، وبينما هو يأكل قال لأبي الأسود: يا أبا الأسود، إن أردت أن تأكل، فانزل وتناول الطعام معي، فأخذ أبو الأسود ينظر إليه، وهو مغتاظ، ومن ثم قال له: ما اسمك يا أخي؟، فقال له الرجل: لقمان الحكيم، فقال له أبو الأسود: لقد أصاب أهلك حينما سموك بهذا الاسم، وفي يوم من الأيام قام أبو الأسود بعوة أحدهم إلى طعامه، وهو على باب الدكان، وعندما اقترب الرجل من الطعام لكي يأكل، أمسك أبو الأسود بلجام حصانه، وشده، فرفسه الحصان، فسقط عنه.
وكان لأبي الأسود صديقًا يقال له أبو الجارود سالم بن سلمة بن نوقل الهذلي، وكان الاثنان دائمًا ما يجلسان أمام دكان أبي الأسود، فيقوم أبو الأسود بإهدائه أبياتًا من الشعر، فيرد عليه أبو جارود بشعر يمدحه فيه، وكان الاثنان دائمًا ما يتزاوران، ويتعاشران، وفي يوم وليَّ أبو جارود ولاية، فقام بالابتعاد عن أبي الأسود، وقاطعه، وجفاه، ولم يكتب له، وكان حينما يكتب له أبو الأسود لا يجيبه، فقال فيه أبو الأسود:
أَبلِغ أَبا الجارودِ عَنّي رِسالَةً
أَفي كُلِّ قَولٍ قُلتُهُ أَنتَ آخِذُ
تُوَقِّذُ قَولي كَي تُوَلِّهَ حاجَتي
وَبَعضُ الكَلامِ لِلكَلامِ مَواقِذُ
أَمِنكَ قَوافٍ قَد أَتَتني كَأَنَّها
إِذا صابَتِ المَرءَ القِرانُ النَوافِذُ
عَلى غَيرِ شيءٍ غَيرَ أَنّي مُعاتِبٌ
وَذَلِكَ أَمرٌ سَنَّهُ الناسُ نافِذُ
فَإِن كُنتَ حَقّاً أَنتَ لا بُدَّ آخِذاً
فَآخِذ بِعِلمٍ قَد تَرى مَن يؤاخَذُ
بَريئاً نَصيحاً مُسلِماً ذا قَرابَةٍ
لَهُ ظُفُرٌ يوهي العَدوَّ وَناجِذُ
أُولَئِكَ خَلّاتٌ سيَمنَعنَ جانِبي
كَما مَنَعَت ماءَ الأَضاةِ الأَخائِذُ
وَخَلَّفتَني بَعدَ الأُلي كُنتُ قَبلَهُم
كَما خَلَّفَت عَنها القِسيَّ الجَهابِذُ
فَدونَكَ إِنّي قَد نَطَقتُ قَصيدَةً
خَواتِمُ أُخراها قَريضٌ مُلاوِذُ
فَقُل ما أَراكَ اللَهُ إِنَّكَ راشِدٌ
كِلانا مِنَ العَوراءِ بِاللَهِ عائِذُ
نبذة عن أبي الأسود الدؤلي
هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، محدث وفقيه وشاعر من التابعين، ولد في الحجاز في شبه الجزيرة العربية، وتوفي في البصرة في العراق.
هو أول من شكل أحرف المصحف بأمر من علي بن أبي طالب.