قصة قصيدة أديرا علي الراح لا تشربا قبلي
أمّا عن مناسبة قصيدة “أديرا علي الراح لا تشربا قبلي” فيروى بأن الشاعر مسلم بن الوليد وهو أحد شعراء العصر العباسي كان مقربًا من الخليفة هارون الرشيد، وفي يوم من الأيام دخل مسلم بن الوليد إلى مجلس الخليفة هارون الرشيد، وكان عنده جماعة من الشعراء، فسلم على الخليفة، وجلس، وبينما هم جالسون طلب الخليفة منه أن يقوم وينشده شيئًا من شعره، فوقف مسلم بن الوليد وبدأ ينشد قصيدة وصف فيها الشراب واللهو والغزل، وفيها قال:
أَديرا عَليَّ الراحَ لا تَشرَبا قَبلي
وَلا تَطلُبا مِن عِندِ قاتِلَتي ذَحلي
فَما حَزَني أَنّي أَموتُ صَبابَةً
وَلَكِن عَلى مَن لا يَحِلُّ لَهُ قَتلي
أُحِبُّ الَّتي صَدَّت وَقالَت لِتُربِها
دَعيهِ الثُرَيّا مِنهُ أَقرَبُ مِن وَصلي
أَماتَت وَأَحيَت مُهجَتي فَهيَ عِندَها
مُعَلَّقَةٌ بَينَ المَواعيدِ وَالمُطلِ
وَما نِلتُ مِنها نائِلاً غَيرَ أَنَّني
بِشَجوِ المُحِبّينَ الأُلى سَلَفوا قَبلي
بَلى رُبَّما وَكَّلتُ عَيني بِنَظرَةٍ
إِلَيها تَزيدُ القَلبَ خَبلاً عَلى خَبلِ
كَتَمتُ تَباريحَ الصَبابَةِ عاذِلي
فَلَم يَدرِ ما بي فَاِستَرَحتُ مِنَ العَذلِ
وَمانِحَةٍ شُرّابَها المُلكَ قَهوَةٍ
مَجوسِيَّةِ الأَنسابِ مُسلِمَةِ البَعلِ
رَبيبَةِ شَمسٍ لَم تُهَجنَ عُروقُها
بِنارٍ وَلَم يُقطَع لَها سَعفُ النَخلِ
تَصُدُّ بِنَفسِ المَرءِ عَمّا يَغُمُّهُ
وَتُنطِقُ بِالمَعروفِ أَلسِنَةَ البُخلِ
قَدِ اِستُودِعَت دَنّاً لَها فَهوَ قائِمٌ
بِها شَفَقاً بَينَ الكُرومِ عَلى رِجلِ
بَعَثنا لَها مِنّاً خَطيباً لِبُضعِها
فَجاءَ بِها يَمشي العِرضَنَة في مَهلِ
فأعجب الخليفة هارون الرشيد بشعره وسماه صريع الغواني، وأكرمه وأعطاه الكثير من المال.
نبذة عن مسلم بن الوليد
هو أبو الوليد مسلم بن الوليد الأنصاري، شاعر مشهور من شعراء العصر العباسي، ولد في مدينة الكوفة في العراق في عام سبعمائة وسبعة وخمسون ميلادي، أصله من بلاد فارس، وهو من الخزرج الأنصار، وهو من الفحول، وعاصر كلًا من العباس بن الأحنف وأبو نواس، وبشار بن برد، ودعبل الخزاعي.
وعلى الرغم من معاصرته كل هؤلاء الشعراء إلا أنه استطاع أن يظهر نفسه، وكان قد جمع بين أصالة الشعر العربي القديم، والحداثة الشعرية في العصر الذي عاش فيه، فكان شعره ذو بناء قوي، شديد الإحكام، متين الصنعة.
اشتهر مسلم بن الوليد بشعر المديح، وشعر الغزل، والخمريات التي كان يبدأ بها في قصائد المديح.