قصة قصيدة أكرم بولادة ذخرا لمدخر
أمّا عن مناسبة قصيدة “أكرم بولادة ذخرا لمدخر” فيروى بان ولادة بنت المستكفي بالله كانت فتاة شديدة الجمال، بشرتها بيضاء، وشعرها أحمر، وعينيها زرقاوين، وبعد أن توفي أبوها أقامت مجلسًا أدبيًا، وأصبح يحضر هذا المجلس العديد من وجهاء القوم في مدينة قرطبة في الأندلس، وكان يحضره أيضًا الشعراء والأدباء، وكانوا يتحدثون في هذا المجلس عن شؤون الشعر والأدب.
وكان من بين الذين يحضرون إلى مجلسها الشاعر الأندلسي ابن زيدون، وبسبب جمالها وقع في غرامها، وأصبحت هي الأخرى تحبه، وأصبح الاثنان واقعان في غرام بعضهما البعض، ولكن كان هنالك رجلًا يقال له ابن عبدوس، وكان هذا الرجل يحب ولادة أيضًا، وكان ينافس ابن يدون على الفوز بقلبها، فقام ابن زيدون بهجائه بقصيدة، وسخر منه فيها، فقرر ابن عبدوس أن ينتقم منه.
وكان ابن عبدوس يعرف يأن ابن زيدون قام بالانضمام إلى أحد الحركات المناهضة للخلافة الأموية، فقام باستغلال هذه المعلومة حتى يفرق بينه وبين ولادة، وكون ولادة كانت ابنة أحد خلفاء بني أمية، فقد كانت تتخذ من ابن عبدوس وسيلة لها لكي تغيض بها ابن زيدون، فكان كلما تغزل بإحدى جواريها رافقت عدوه، وعندما وصل خبر استقبالها لابن عبدوس في مجلسها بكثرة إلى ابن زيدون، أنشد فيها قائلًا:
أَكرِم بِوَلّادَةٍ ذُخراً لِمُدَّخِرٍ
لَو فَرَّقَت بَينَ بَيطارٍ وَعَطّارِ
قالوا أَبو عامِرٍ أَضحى يُلِمُّ بِها
قُلتُ الفَراشَةُ قَد تَدنو مِنَ النارِ
عَيَّرتُمونا بِأَن قَد صارَ يَخلُفُنا
فيمَن نُحِبُّ وَما في ذاكَ مِن عارِ
أَكلٌ شَهِيٌّ أَصَبنا مِن أَطايِبِهِ
بَعضاً وَبَعضاً صَفَحنا عَنهُ لِلفارِ
ولكن رغم غضبه منها، لم يستطع نسيانها أو كرهها، بل عاد يطلب رضاها قائلا:
وَلو أَنَّني وَقَعتُ عَمداً خَطيئَةً
لَما كانَ بِدعاً مِن سَجاياكَ أَن تُملي
فَلَم أَستَتِر حَربَ الفِجارِ وَلَم أُطِع
مُسَيلَمَةً إِذ قالَ إِنّي مِنَ الرُسلِ
وَمِثلِيَ قَد تَهفو بِهِ نَشوَةُ الصِبا
وَمِثلُكَ قَد يَعفو وَمالَكَ مِن مِثلِ
وَإِنّي لَتَنهاني نُهايَ عَنِ الَّتي
أَشادَ بِها الواشي وَيَعقِلُني عَقلي
أَأَنكُثُ فيكَ المَدحَ مِن بَعدِ قُوَّةٍ
وَلا أَقتَدي إِلّا بِناقِضَةِ الغَزلِ
ذَمَمتُ إِذاً عَهدَ الحَياةِ وَلَم يَزَل
مُمِرّاً عَلى الأَيّامِ طَعمُهُما المَحلِ
نبذة عن ابن زيدون
هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي القرشي، وهو شاعر وكاتب ووزير أندلسي.