قصة قصيدة ألا حبذا أهل الملا غير أنه
أمّا عن مناسبة قصيدة “ألا حبذا أهل الملا غير أنّه” فيروى بأنّ ذو الرمة كان يحب فتاة يقال لها مية بنت فلان بن طلبة بن قيس بن عاصم بن سنان، وكانت مية شديدة الجمال، فقد كانت أجمل فتيات عصرها، ولم يكن في المدينة فتاة أجمل منها، واعتاد ذو الرمة أن يلاقيها، ويقول لها الشعر، ولكنه في يوم من الأيام غاب عنه، وطال غيابه، فبقيت زمنًا لا تراه ولا تسمع شيئًا من شعره، فأنذرت نذرًا لله تعالى بأنّها إن رأته سوف تقوم بنحر ناقة.
وعندما عاد ذو الرمة إلى المدينة، ورأته مية، كان قد أصبح قبيحًا شديد السواد، على العكس منها، فقد بقيت جميلة كما عهدها ذو الرمة، وعندما رأته على هذه الحال، قالت: وسوأتاه، وبؤساه، وعندما سمع قولها ذو الرمة أنشد قائلًا:
أَلا حَبَّذا أَهلُ المَلا غَيرَ أَنَّهُ
إِذا ذُكِرَت مَيٌّ فَلا حَبَّذا هِيا
عَلى وَجهِ مَيٍّ مَسحَةٌ مِن مَلاحَةٍ
وَتَحتَ الثِيابِ الخِزيُ إِن كانَ بادِيا
أَلَم تَرَ أَنَّ الماءَ يَخلُفُ طَعمُهُ
وَإِن كانَ لَونُ الماءِ أَبيَضَ صافِيا
إِذا ما أَتاهُ وارِدٌ مِن ضَرورَةٍ
تَوَلّى بِأَضعافِ الَّذي جاءَ ظامِيا
كَذَلِكَ مَيٌّ في الثِيابِ إِذا بَدَت
وَأَثوابُها يُخفينَ مِنها المَخازِيا
فَلَو أَنَّ غيلانَ الشَقِيَّ بَدَت لَهُ
مُجَرَّدَةً يَوماً لَما قالَ ذا لِيا
كَقَولٍ مَضى مِنهُ وَلكِن لَرَدَّهُ
إِلى غَيرِ مَيٍّ أَو لأَصبَحَ سالِيا
فَيا ضَيعَةَ الشِعرِ الَّذي لَجَّ فَاِنقَضى
بِمَيًّ وَلَم أَملِك ضَلالاً فُؤادِيا
نبذة عن ذي الرمة
هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي الربابي التميمي، ولد في عام ستمائة وستة وتسعون ميلادي في نجد في الجزيرة العربية، وهو من قوم الرباب من تميم، وهو واحد من شعراء العصر الأموي، ويعتبر أحد فحول الشعر من الطبقة الثانية في زمانه، يلقب بأبي الحارث وذي الرمة، كان قصيرًا قبيحًا، شديد السواد، وكان أكثر ما قال من شعر هو شعر البكاء على الأطلال.
توفي في عام سبعمائة وخمسة وثلاثون ميلادي في مدينة أصفهان، وكان عمره وقتها أربعون عامًا.