قصة قصيدة أيعجب الناس أن أضحكت خيرهم
أمّا عن مناسبة قصيدة “أيعجب الناس أن أضحكت خيرهم” فيروى بأنه في يوم من الأيام كان الفرزدق في مجلس سليمان بن عبد الملك بن مروان، وبينما هما جالسان أدخل إلى الخليفة أسرى من الروم، فقال للفرزدق: قم يا فرزدق، واضرب أعناق هؤلاء الأسرى، فلم يرق ذلك للفرزدق، وحاول أن يجعل الخليفة يعفيه من القيام بذلك، ولكن الخليفة رفض وأصر على أن يقوم ويضرب أعناقهم، فقام الفرزدق وأمسك بالسيف، وضرب عنق الأول، ولكن السيف ارتد ولم يقطع عنقه، فضحك الخليفة، وجميع الحاضرين، فأنشد الفرزدق قائلًا:
أَيَعجَبُ الناسُ أَن أَضحَكتُ خَيرَهُمُ
خَليفَةَ اللَهِ يُستَسقى بِهِ المَطرُ
وَما نَبا السَيفُ مِن جُبنٍ وَلا دَهَشٍ
عِندَ الإِمامِ وَلَكِن أُخِّرَ القَدَرُ
وَلَو ضَرَبتُ عَلى عَمدٍ مُقَلَّدَةٍ
لَخَرَّ جُثمانَهُ ما فَوقَهُ شَعَرُ
إِذاً تَدَهدَأَ عَنهُ حينَ أَضرِبُهُ
كَما تَدَهدى عَنِ الزُحلوفَةِ الحَجَرِ
ما يُعجِلُ السَيفُ نَفساً قَبلَ ميتَتِها
جَمعُ اليَدَينِ وَلا الصِمصامَةُ الذَكَرُ
وعندما وصل خبر هذه القصة إلى الجرير أنشد قائلًا:
بِسَيفِ أَبي رَغوانَ سَيفِ مُجاشِعٍ
ضَرَبتَ وَلَم تَضرِب بِسَيفِ اِبنِ ظالِمِ
ضَرَبتَ بِهِ عِندَ الإِمامِ فَأُرعِشَت
يَداكَ وَقالوا مُحدَثٌ غَيرُ صارِمِ
ضَرَبتَ بِهِ عُرقوبَ نابٍ بِصَوأَرٍ
وَلا تَضرِبونَ البيضَ تَحتَ الغَماغِمِ
عَنيفٌ بِهَزِّ السَيفِ قَينُ مُجاشِعٍ
رَفيقٌ بِأَخراتِ الفُؤوسِ الكَرازِمِ
سَتُخبَرُ يا اِبنَ القَينِ أَنَّ رِماحَنا
أَباحَت لَنا ما بَينَ فَلجٍ وَعائِمِ
أَلا رُبَّ قَومٍ قَد وَفَدنا عَلَيهِمُ
بِصُمِّ القَنا وَالمُقرَباتِ الصَلادِمِ
لَقَد حَظِيَت يَوماً سُلَيمٌ وَعامِرٌ
وَعَبسٌ بِتَجريدِ السُيوفِ الصَوارِمِ
وَعَبسٌ وَهُم يَومَ الفَروقَينِ طَرَّقوا
بِأَسيافِهِم قُدموسَ رَأسِ صُلادِمِ
فرد عليه الفرزدق قائلًا:
تَلوذُ بِأَحقَي نَهشَلٍ مِن مُجاشِعٍ
عِياذَ ذَليلٍ عارِفٍ لِلمَظالِمِ
وَلا نَقتُلُ الأَسرى وَلَكِن نَفُكُّهُم
إِذا أَثقَلَ الأَعناقَ حَملُ المَغارِمِ
فَهَل ضَربَةُ الرومِيِّ جاعِلَةٌ لَكُم
أَباً عَن كُلَيبٍ أَو أَباً مِثلَ دارِمِ
فَإِنَّكَ كَلبٌ مِن كُلَيبٍ لِكَلبَةً
غَذَتكَ كُلَيبٌ في خَبيثِ المَطاعِمِ
نبذة عن الفرزدق
هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي، واحد من أهم الشعراء في العصر الأموي، ولد في البصرة في عام ستمائة وواحد وأربعون، اشتهر بشعر الهجاء.