قصة قصيدة إن أك قد أقصرت عن طول رحلة
أمّا عن مناسبة قصيدة “إن أك قد أقصرت عن طول رحلة” فيروى بأن امرؤ القيس نزل في يوم من الأيام على قبيلة بكر بن وائل، وجلس في مجلس من مجالسهم، وقال لهم: هل فيكم من يقول الشعر؟، فقالوا له: نعم، عندنا شيخ كبير قد ذهب من عمره الكثير، فقال لهم: وما هو اسمه؟، فقالوا له: عمرو بن قميئة، فقال لهم: أحضروه لي، فذهب أحدهم إلى عمرو بن قميئة، وأحضره، وعندما دخل إلى المجلس، طلب منه امرؤ القيس أن ينشده شيئًا من شعره، فأنشده قائلًا:
إن أَكُ قَد أَقصَرتُ عَن طولِ رِحلَةٍ
فَيا رُبَّ أَصحابٍ بَعَثتُ كِرامِ
فَقُلتُ لَهُم سيروا فِدىً خالَتي لَكُم
أَما تَجِدونَ الريحَ ذاتَ سَهامِ
فَقاموا إِلى عيسٍ قَدِ اِنضَمَّ لَحمُها
مُوَقَّفَةٍ أَرساغُها بِخَدام
وَقُمتُ إِلى وَجناءَ كَالفَحلِ جَبلَةٍ
تُجاوِبُ شَدِّيَ نِسعَها بِبُغام
فَأُدلِجُ حَتّى تَطلُعَ الشَمسُ قاصِداً
وَلَو خُلِطَت ظَلماؤُها بِقَتامِ
فَأَورَدتُهُم ماءً عَلى حينٍ وِردِهِ
عَلَيه خَليطٌ مِن قَطاً وَحَمامِ
وَأَهوَنُ كَفٍّ لا تَضيرُكَ ضَيرَةً
يَدٌ بَينَ أَيدٍ في إِناءِ طَعامِ
يَدٌ مِن بَعيدٍ أَو قَريبٍ أَتَت بِهِ
شَآمِيَّةٌ غَبَراءُ ذاتُ قَتامِ
كَأَنّي وَقَد جاوَزتُ تِسعينَ حِجَّةً
خَلَعتُ بِها يَوماً عِذارِ لِجامي
عَلى الراحَتَينِ مَرَّةً وَعَلى العَصا
أَنوءُ ثَلاثاً بَعدَهُنَّ قِيامي
فأعجب امرؤ القيس بشعره، وصحبه معه إلى الروم، وأدخله معه إلى قيصر، فقال عمرو بن قميئة في خبر ذلك:
بَكى صاحِبي لَمّا رَأى الدَربَ دونَنا
وَأَيقَنَ أَنّا لاحِقانَ بِقَيصَرا
فَقُلتُ لَهُ لا تَبكِ عَينَكَ إِنَّما
نُحاوِلُ مُلكاً أَو نَموتُ فَنُعذَرا
وبينما هما عند الروم، وفي يوم طلب امرؤ القيس منه أن يخرج معه إلى الصيد، فأنشده قائلًا:
شَكَوتُ إِلَيهِ أَنَّني ذو جَلالَةٍ
وَأَنّي كَبيرٌ ذو عِيالٍ مُحَنَّبُ
فَقالَ لَنا أَهلاً وَسَهلاً وَمَرحَباً
إِذا سَرَّكُم لَحمٌ مِنَ الوَحشِ فَاِركَبوا
نبذة عن عمرو بن قميئة
هو عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، شاعر من شعراء العصر الجاهلي، وهو كبير معمر، شعره حسن ولو كان قليلًا.