قصة قصيدة إن الذي بعث النبي محمدا

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة إن الذي بعث النبي محمدا:

أمّا عن مناسبة قصيدة “إن الذي بعث النبي محمدا” فيروى بأن الشعراء وفدوا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، عندما تولى الخلافة، ولكنّه لم يستقبلهم، وبقوا على بابه أيامًا على هذه الحال، ينتظرون بأن يسمح لهم بالدخول، حتى أتى في يوم عون بن عبد الله بن عنبة إلى الخليفة، وقبل أن يدخل لقي الشعراء على الباب، فقال له الجرير:

يا أيها الرجل المرخي عمامته
هذا زمانك إني قد مضى زمني

أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه
أني لدى الباب كالمصفود في قرن

وحش المكانة من أهلي ومن لدى
نائي المحلة عن داري وعن وطني

فدخل إلى الخليفة، وقال له: يوجد الكثير من الشعراء على بابك، وإن أسنانهم مسنونة، فعليك أن تدخلهم، فقال له الخليفة: مالي ومالهم، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن الرسول قد مدح، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فقال له الخليفة: ومن على الباب؟، فقال له: ابن عمك، عمر بن أبي ربيعة، فقال له: أليس هو من قال:

ألا ليت أني يوم حانت منيتي
شممت الذي ما بين عينيك والفم

وليت طهوري كان ريقك كله
وليت حنوطي من مشاشك والدم

ويا ليت سلمى في القبو ضجيعتي
هنالك أو في جنة أو جهنم

فلا قربه الله، ولا حياه، فوالله لن أدخله أبدًا، ومن أيضًا على الباب؟، فقال له: جميل بن معمر، فقال الخليفة: أوليس هو من قال؟:

ألا ليتنا نحيا جميعاً وإن نمت
يوافي لدى الموتى ضريحي ضريحها

فما أنا في طول الحياة براغب
إذا قيل قد سوي عليها صفيحها

أظل نهاري لا أراها ويلتقي
مع الليل روحي في المنام وروحها

فوالله لن يدخل إلى مجلسي أبدًا، ومن أيضًا؟، فقال له: كثير عزة، فقال له الخليفة: أوليس هو من قال:

رهبان مدين والذين عهدتهم
يبكون من حذر العذاب قعودا

لو يسمعون كما سمعت حديثها
خروا لعزة راكعين سجودا

لن يدخل علي أيضًا، ومن هنالك غيره؟، فقال له: الأحوص الأنصاري، فقال الخليفة: أوليس هو القائل؟:

الله بيني وبين سيدها
يفر عني بها وأتبع

وأفسد بذلك على أهل المدينة المنورة جارية من جواريها، فلن يدخل، ومن أيضًا؟، فقال له: الأخطل، فقال له: أوليس هو من قال؟:

فلست بصائم رمضان عمري
ولست بآكل لهم الأضاحي

ولست بزاجر عنسا بكوراً
إلى بطحاء مكة للنجاح

ولست بقائم كالعير يدعو
قبيل الصبح حي على الفلاح

ولكني سأشربها شمولاً
وأسجد عند منبلج الصباح

فهو كافر، ولن يدخل علي أبدًا، فمن غيره؟، فقال له: جرير، فقال له: أليس هو من قال؟:

لولا مراقبة العيون أريتنا
مقل المها وسوالف الآرام

هل ينهينك أن قتلن مرقشا
أو ما فعلن بعروة بن حزام

ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأقوام

طرقتك صائدة القول وليس ذا
حين الزيارة فارجعي بسلام

ولن يدخل أيضًا، وإن كان ولا بد أن يدخل أحد، فأدخل أبا حرزة، فأدخله، فدخل وهو ينشد قائلًا:

إِنَّ الَّذي بَعَثَ النَبِيَّ مُحَمَّداً
جَعَلَ الخِلافَةَ في الإِمامِ العادِلِ

وَلَقَد نَفَعتَ بِما مَنَعتَ تَحَرُّجاً
مَكسَ العُشورِ عَلى جُسورِ الساحِلِ

قَد نالَ عَدلُكَ مَن أَقامَ بِأَرضِنا
فَإِلَيكَ حاجَةُ كُلِّ وَفدٍ راحِلِ

إِنّي لَآمُلُ مِنكَ خَيراً عاجِلاً
وَالنَفسُ مولَعَةٌ بِحُبِّ العاجِلِ

فقال له الخليفة: اتق الله، ولا تقل إلا الحق، فأنشد يقول:

كَم بِالمَواسِمِ مِن شَعثاءَ أَرمَلَةٍ
وَمِن يَتيمٍ ضَعيفِ الصَوتِ وَالنَظَرِ

يَدعوكَ دَعوَةَ مَلهوفٍ كَأَنَّ بِهِ
خَبلاً مِنَ الجِنِّ أَو خَبلاً مِنَ النَشَرِ

مِمَّن يَعُدُّكَ تَكفي فَقدَ والِدِهِ
كَالفَرخِ في العُشِّ لَم يَدرُج وَلَم يَطِرِ

يَرجوكَ مِثلَ رَجاءِ الغَيثِ تَجرُهُمُ
بورِكتَ جابِرَ عَظمٍ هيضَ مُنكَسِرِ

فقال له: والله إنّي لا أملك سوى ثلاثمائة درهم، ومنها مائة لعبد الله، ومائة لأمه، ومائة أعطيتك إياها، وأمر غلامه أن يحضرها له، فقال له جرير: والله إنها أحب مال كسبته في حياتي، وأخذها وخرج من مجلسه، فلقيه الشعراء، وقالوا له: كيف وجدت أمير المؤمنين؟، فقال لهم: والله إني وجدت فيه ما لن يعجبكم، فقالوا له: وكيف ذلك، فقال: يعطي الفقراء ويمنع عن الشعراء، ثم أنشد قائلًا:

رأيت رقى الشيطان لا تستفزه
وقد كان شيطاني من الجن راقياً

نبذة عن الشاعر جرير:

جرير بن عطية التميمي، يعد شاعرًا من أهم شعراء العصر الأموي، ارتبط بخلفائها، واشتهر بشعر المدح، ولكن أكثر ما اشتهر به هو شعر الهجاء.


شارك المقالة: