نبذة عن العباس بن الأحنف:
هو أبو الفضل العباس بن الأحنف الحنفي اليمامي النجدي، من الشعراء العباسيين، ولد في عام سبعمائة وخمسون ميلادي في البصرة، وتوفي في عام ثمانمائة وثمانية في بغداد.
قصة قصيدة العاشقان كلاهما متغضب:
أما عن مناسبة قصيدة “العاشقان كلاهما متغضب”، فيروى بأنه كان هنالك مجموعة من الأصدقاء قد اجتمعوا في بيت أحد منهم، وقد كان هذا البيت على واحد من طرق بغداد الممتلئة بالناس، وقد كانوا جميعم قد غادروا أهاليهم، واقتنعوا بالعيش معًا، وفي حياتهم في هذا البيت كانوا يفلسون في أيام، وتتيسر حالهم في أيام أخرى، فإذا أصبحت حالهم يسيرة كانوا يأتون ببعض الطعام، مؤونة لهم، ولكن أكثر ماله كان يذهب على الخمر، وكانوا معتادون على الجلس في أسفل الدار، يشربون الخمر، ويستمعون للمغنين، فإذا ملّوا مما هم فيه صعدوا إلى غرفة تطل على الشارع، ويتمتعون بالنظر إلى الناس.
وفي يوم من الأيام وبينما هم جالسون دخل إليهم رجل، يبدوا عليه أنه من أبناء النعم، وقال لهم: لقد سمعت عن مجلسكم في المدينة، وأريد أن أكون واحد منكم، ولم يكن عندهم في يومها أي طعام، وكان هذا الرجل قد قال لغلام له: عندما يأذنون لي أن أكون واحد منهم، اذهب واجلب لنا أفضل الطعام، وعندما أذنوا لهه، ذهب الغلام، وغاب قليلًا، ثم عاد ومعه سلة فيها أفضل أنواع الطعام، فأخذوا يأكلون، وبعد أن شبعوا جلسوا يحتسون الخمر، وبينما هم جالسون شغلوا عن سؤاله عن اسمه، وبعد حين سأله أحدهم عن كنيته، فأجابه قائلًا: أبو الفضل، ومن بعدها بقوا ينادونه بكنيته.
وفي يوم من الأيام وبينما هم جالسون قال لهم أبو الفضل: ألا تريدون أن أخبركم كيف عرفت عنكم؟، فقالوا له: بلى، والله إنا لنحب ذلك، فقال لهم: لقد أحببت فتاة تسكن مقابل بيتكم، وكنت أجلس في الطريق ألتمس رؤيتها، وقد مللت من كثر الجلوس في الشارع، ورأيت بيتكم هذا، فسألت عنكم، فأخبروني عن جمعتكم، ومساعدتكم لبعضكم البعض، ووالله إني قد أحببت مجالستكم، أكثر مما أحببت تلك الفتاة، فسألوه عن الفتاة، فأخبرهم، ومن بعدها أقام في بيتهم لشهرين، وقد كانوا في هذين الشهرين سعيدين به، إلى أن افترق عنهم، فوجعوا على فراقه، وسألوا عن مكانه، وبحثوا عنه، ولكنهم يستطيعوا أن يجدوه.
وغاب عنهم أبو الفضل قرابة العشرين يومًا، وبعدها وفي يوم وبينما هم جالسون على باب بيتهم رأوه قادما في موكب، وكان يرتدي أفضل الملابس، وعندما وصلهم نزل عن حصانه، وقال لهم: والله إنه لم يطب لي عيش من بعدكم، ولكني لا أريد أن أطيل عليكم بأخباري، بل أريد منكم أن تأتوا معي إلى المسجد، فذهبوا معه، وعندما دخلوا، قال لهم: أنا العباس بن الأحنف، وعندما خرجت من بيتكم، أحاط بي جنود أمير المؤمنين، وأخذوني إلى قصره.
وأدخلوني إلى يحيى بن خالد، فقال لي: ويحك، لقد اخترتك من بين الشعراء، لأنه اليوم قد حصل عتب بين أمير المؤمنين وماردة، وهي تريد أن تعتذر منه، ولكنه يأبى ذلك، وقد حاولت أن أصلح بينهما ولكني عجزت عن ذلك، وأريد منك أن تقول شعرًا يسهل على أمير المؤمنين قبول اعتذارها، فأنشدت قائلًا:
العاشِقانِ كِلاهُما مُتَغَضِّبُ
وَكِلاهُما مُتَشَوِّقٌ مُتَطَرِّبُ
صَدَّت مُراغِمَةً وَصَدَّ مُراغِماً
وَكِلاهُما مِمّا يُعالِجُ مُتعَبُ
راجِع أَحَبَّتُكَ الَّذينَ هَجَرتَهُم
إِنَّ المُتَيَّمَ قَلَّ ما يَتَجَنَّبُ
إِنَّ التَجنُّبَ إِن تَمَكَّنَ مِنكُما
دَبَّ السُلُوُّ لَهُ فَعَزَّ المَطلَبُ
