قصة قصيدة بلغا كندة الملوك جميعا:
أمّا عن مناسبة قصيدة “بلغا كندة الملوك جميعا” فيروى بأنّ قيسبة بن كلثوم الكندي توجه في سنة من السنين إلى الحج، وبينما هو في طريقه خرج له قوم من بني عامر، وقطعوا عليه طريقه، وأسروه، وأخذوا ما كان معه من مال، وسجنوه عندهم، وبقي عندهم لما يزيد عن الثلاث سنين، وفي يوم من الأيام، وبينما هو في أحد منازلهم، مقيد، قال للعجوز صاحبة المنزل: هل يمكنك أن تخرجيني إلى قمة هذه التلة، أريد أن أجلس تحت الشمس، فوالله إن البرد قد اضر بجسمي، فوافقت العجوز وأخرجته، وكان وقتها يرتدي جبة هي كل ما أبقوها عليه من ملابسه، فمشى وهو مقيد، حتى صعد إلى قمة التلة.
وبينما هو على هذه التلة، أخذ ينظر باتجاه اليمن، وهو يبكي، فرفع يداه إلى السماء، وأخذ يقول: اللهم فرج علي ما قد أصابني، وبينما هو كذلك، بدا له رجل على ركبه، فنادى عليه، فأقبل الرجل، ووقف عنده، وقال له: ماذا تحتاج يا أخي، وأين تريد الذهاب؟، فقال له: أريد أن أذهب إلى اليمن، ومن ثم قال قيسبة له: ومن انت؟، فقال له: أنا أبو الطمحان القيني، ومن أنت، فإنّك ترتدي لباس الملوك، وليس في هذه الديار من ملوك، فقال له: أنا قيسبة الكندي، خرجت في يوم إلى الحج، وقطع بنو عامر علي الطريق، وأسروني، وأنا عندهم منذ ما يزيد على الثلاثة سنين.
وأكمل قيسبة قائلًا: هل تفعل لي شيئًا، وأعطيك مائة ناقة، فقال له أبو طمحان: والله إني لست بحاجة لها، ولكن اذكر لي حاجتك، فقال له قيسبة: هل معك سكين، فقال له: نعم، فقال قيسبة، أعطني إياها، وأعطني خشبة من رحلك، فأعطاه، فكتب عليها باستخدام السكين قائلًا:
بلغا كندة الملوك جميعا
حيث سارت بالأكرمين الجمال
أن ردوا العين بالخميس عجالا
واصدروا عنه والروايا ثقال
هزئت جارتي وقالت عجيبا
إذ رأتني في جيدي الأغلال
إن تريني عاري العظام أسيرا
قد براني تضعضع واختلال
فلقد أقدم الكتيبة بالسيف
علي السلاح والسربال
وكتب تحت الشعر إلى أخيه أن يعطي من جاءه بالكتاب مائة ناقة، ثم أخبره أن يأخذ بكتابه إلى قومه، فتوجه إلى اليمن، ودخل إلى حضرموت، وبينما هو هنالك انشغل، ونسي أمره، وفي يوم سمع بعض النسوة وهن يتبادلن الحديث، ويذكرن قيسبة، فتوجه من فوره إلى أخيه، وأعطاه الكتاب، فقرأه أخاه، وقام وأمر له بمائة ناقة، ومن ثم توجه من فوره إلى قيس بن معد، وأخبره بأن أخاه أسير عند بني عامر، فقال له قيس بن معد: أخرج معك، ولكن عليك أن تكون تحت لوائي، حتى نخرج أخاك ممّا هو فيه، ونأخذ بثأركم منهم، فوافق، وساروا معًا، حتى أتوا قوم بني عامر، وحرروا قيسبة مما هو فيه، وقتلوا منهم عددًا كبيرًا، وقال في خبر ذلك سلامة بن صبيح الكندي:
لا تشتمونا إذا جلبنا لكم
ألفي كميت كلها سلهبه
نحن أبلنا الخيل في أرضكم
حتى ثأرنا منكم قيسبة
واعترضت من دونهم مذحج
فصادفوا من خيلنا مشغبه
نبذة عن قيسبة الكندي:
هو قيسبة بن كلثوم بن حباشة بن هدم بن عامر الكندي، كان له قدر في عصر الجاهلية، وأدرك الإسلام وأسلم، وشارك في فتح مصر.