قصة قصيدة تصغر الأحلام في بلدي:
أما عن مناسبة قصيدة “تصغر الأحلام في بلدي” فيروى بأن أحد الشعراء كان له صديقين، وقد أحيل هذان الصديقان إلى التقاعد، وكان سبب إحالتهما على التقاعد هو كبر عمرهما، وبعد ذلك حرما من راتبهما التقاعدي، وبدل الراتب تم إعطاء كل واحد منهما تعويضًا زهيدًا مقابل العمل الذي قدماه خلال فترة عملهما التي كانت أربعون عامًا، وقد كانا هذان الصديقان عضوان في الفرقة الموسيقية اللبنانية، وهي واحدة من أهم الفرق الموسيقية في العالم العربي.
وقال له احدهما بأنّه عندما أتى الموسيقار والمطرب الكبير محمد بن عبد الوهاب إلى لبنان في أواسط القرن الماضي، وقام بتسجيل مجموعة من الأغاني في الإذاعة اللبنانية، قام لأعضاء الفرقة الموسيقية التي عزفت ألحانه: الله يديم عليكم الفقر، فاستغرب الموسيقيون ما قال واستنكروا عليه ذلك، وسأله أحدهم عن سبب ذلك، فرد عليه قائلًا: لأنَّكم جيدون للغاية في العزف على آلاتكم، وإنّي أخاف إن حصل واغتنيتم في يوم، أن تقوموا بترك الموسيقى.
وبالفعل فقد استجاب الله لدعوته، فإنّ أحد صديقي هذا الشاعر، لم يكن له أبناء، وأمّا الآخر فإنّ كل ذريته بنات، وبناته لا يستطعن إعالته، وبعد أن تقاعدا قاما بصرف ما تبقى معهم من مال على الأطباء، لأنّ القانون في لبنان يمنع المتقاعدين من أن يتقدموا للضمان بعد أن ينتهي من وظيفته، وبسبب ذلك كانا يذهبان إلى صديقهما الشاعر ويطلبا منه بعض المساعدات، فيقدم لهما ما يقدر عليه، وقد تأثر بحالهما فكتب هذه القصيدة، قائلًا:
تصغر الأحلام في بلدي
لتصير
بحجم وظيفة غير سيادية
نتقوقع فيها
جل العمر
على ذات السكة
كقطار الليل
نجتر الأيام كثور متعب
وإذا خرجنا عن تلك السكة قد نسقط
على ضفة الجوع
والضفة الأخرى هي النسيان
وكلاهما سيان
في بلد اسمه لبنان
أخبرني صديقي
وقد بلغ الخامسة والستين
أنّه محبط
وجد حزين
يجالس وحدته
عند حافة العمر
في مقهى الانتظار
يتابع نشرة الأخبار
وفي يده
كيس دواء
يا أيها الرؤساء
والنواب
والوزراء
وطن
ليس لنا فيه أرض ،
بيت ،
عمل ،
أو حتى سريرا” في مشفى
هذا وطن أم منفى ؟!
تضيق الأنظمة
في بلدان العالم الثالث
عن ضمان لشيخوخة الفقراء
وتتسع كثيرا
للجوع وللأمراء
يا قمر الجوع
فلتسقط خسفا”
حتى لا نبقى بساطا
تحت أقدام الزعماء
يا وطن الرشوة
والحكام المهووسين بالسلطة
والأزلام
يا وطن النصب التذكارية
والأصنام
هل بشر نحن ؟!
وتجاوزنا القرن العشرين وما زلنا
في دفاتر الزعماء مجرد أرقام .
حالة الشاعر:
كانت حالة الشاعر عندما ألقى هذه القصيدة الحزن على ما حصل مع صديقيه، والعتب على وطنه بسبب ما فعل معهما.