أبو العلاء المعري هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري، وهو شاعر وأديب وفيلسوف، عاش في العصر العباسي.
قصة قصيدة تغيبت في منزلي برهة
أما عن مناسبة قصيدة “تغيبت في منزلي برهة” فيروى بأن أبو العلاء المعري جلس في بيته لا يخرج منه لمدة تسعة وأربعون عامًا، فقد أمضى الشيخ الكفيف ما يقرب النصف قرن في بيته الواقع في معرة النعمان، ولم يجبره أحد على ذلك، فقد كانت إقامته في البيت بمحض إرادته، ولكنه في هذه الفترة خرج مرة واحدة، وكانت هذه المرة بسبب حالة طارئة حصلت في المدينة.
أما عن هذه الحالة الطارئة، ففي يوم دخلت إحدى نساء المدينة إلى المسجد وهي تصرخ وتستغيث بمن كان موجود، مدعية بأن صاحب الماخور قد راودها عن نفسها، فخرج أهل المدينة وتوجهوا إلى الماخور، وقاموا بهدمه، ونهب كل ما فيه، وبعد ذلك سمع أسد الدولة بما حصل في المدينة، فتوجه من صيدا إلى مدينتهم، وحاصرهم، ورما المدينة بالمنجنيق، وعندما رأى أهل المدينة هول ما يحصل معهم، وأدركوا بأن القادم أسوأ، توجهوا إلى بيت أبو العلاء المعري، وطلبوا منه أن يتوجه إلى أسد الدولة، ويتكلم معه، لعله يشفع لهم عنده.
وعندما طلبوا منه ذلك، وافق على طلبهم، وقرر أن يخرج إلى أسد الدولة، على الرغم من معرفته بكونه طاغية، ووافق فقط لكي يرفع البلاء عن أهل مدينته، وكان أسد الدولة على معرفة تامة بمكانة أبي العلاء المعري.
فعندما علم من جنوده بأن باب المدينة قد فتح، وقد خرج منه رجل كبير في العمر كفيف، تأكد على الفور بأنه أبو العلاء المعري، فأمر جنوده أن يستقبلوه خير استقبال، وجلس معه وتحدث معه، وقبل منه شفاعته لأهل المدينة، ورفع عنهم الحصار، ومن ثم عاد أبو العلاء المعري إلى منزله، وجلس فيه لا يخرج، وقد أنشد أبو العلاء المعري قصيدة يذكر فيها خبر ما حصل، قائلًا:
تَغَيَّبتُ في مَنزِلي بُرهَةً
سَتيرَ العُيوبِ فَقيدَ الحَسَد
فَلَمّا مَضى العُمرُ إِلّا الأَقَلَّ
وَحُمَّ لِروحي فُراقُ الجَسَد
بُعِثتُ شَفيعاً إِلى صالِحٍ
وَذاكَ مِنَ القَومِ رَأيٌ فَسَد
فَيَسمَعُ مِنّي سَجعَ الحَمامِ
وَأَسمَعُ مِنهُ زَئيرَ الأَسَد
فَلا يُعجِبَنّي هَذا النِفاقُ
فَكَم نَفَّقَت مِحنَةٌ ما كَسَد