قصة قصيدة تكلمت بالحق المبين وإنما

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة تكلمت بالحق المبين وإنما

أمّا عن مناسبة قصيدة “تكلمت بالحق المبين وإنما” فيروى بأنّ كثير والأحوص الأنصاري ونصيب توجهوا إلى قصر الخليفة عمر بن عبد العزيز عندما استلم الخلافة، وعندما دخلوا إلى الشام، لقيهم رجل يقال له مسلمة بن عبد الملك، وسألهم عن وجهتهم، فأخبروه بأنهم متوجهون صوب قصر الخليفة، فأخبرهم بأن الخليفة لا يستقبل الشعراء، واستضافهم في بيته، فبقوا عنده ما يزيد على الأربعة شهور، وهم ينتظرون أن يأذن لهم الخليفة بأن يقابلوه، حتى أذن لهم الخليفة في يوم من الأيام بأن يقابلوه، فدخلوا عليه وسلموا عليه.

فتقدم كثير، وقال للخليفة: يا أمير المؤمنين، لقد طال الجفاء، وقلت الفائدة، وتحدث عن امتناعك عنا جميع من أتى للمدينة من العرب، فقال له الخليفة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، هل أنت منهم؟، فقال له كثير: لا والله، ومن ثم قال له الخليفة: أولستم ضيوفًا عند مسلمة بن عبد الملك؟، فقالوا له: بلى، فقال لهم: والله إني لا أرى من كان ضيفًا عنده منقطع به، فقال له كثير: أتسمح لي أن أنشدك؟، فقال له الخليفة: هات ما عندك، ولا تقل إلا ما كان حقًا، فأنشد كثير قائلًا:

تَكلَّمتَ بالحقِّ المُبِينِ وإِنَّما
تَبَيَّنُ آياتُ الهُدَى بالتكلُّمِ

وأظْهَرْتَ نُورَ الحقِّ فاشتدَّ نُورهُ
على كل لَبْسِ بارِقِ الحقِّ مُظْلمِ

وعاقبتَ فيما قد تقَدَّمتَ قبلهَ
وأعرضتَ عمّا كان قبلَ التقدُّمِ

ولِيتَ فلم تَشْتُمْ عَليّاً ولم تُخفْ
بَرِيّاً ولم تَقْبَلْ إشارَةَ مُجْرِم

وصَدَّقْتَ بالفعْلِ المقَالَ مع الذي
أَتَيْتَ فأَمْسَى راضياً كُلُّ مُسْلمِ

أَلاَ إِنًّما يَكْفى الفَتَى بَعْدَ زَيْغِهِ
منَ الأَوَد البادي ثِقَافُ المُقَوِّمِ

وقَدْ لَبِسَتْ لُبْسَ الهَلُوك ثيابَها
تَرَاءَى لَكَ الدُّنْيا بكَفٍّ ومعِصْمَمِ

وتُومضُ أَحياناً بعَيْنٍ مَريضَةٍ
وتَبْسِمُ عن مثْلِ الجُمَان المنُظَّم

فقال له الخليفة: إنك تساءل عما قلت، ثم طلب الأحوص من الخليفة أن ينشد شيئًا من شعره، فقال له: أنشد، ولا تقل إلا حقاً، فأنشده:

وما الشِّعْرُ إِلاْ خُطْبَهٌ من مُؤَلِّفِ
لمَنْطُقِ حَقٍّ أَو لمَنْطقِ باطِل

فلا تَقْبَلَنْ إلاَّ الذي وافَقَ الرِّضَا
ولا تَرْجِعَنَّا كالنَّسَاءِ الأَراملِ

رَأَيْنَاكَ لم تَعْدِلْ عَنِ الحَقِّ يَمْنَةً
ولا يَسْرَةً فعْلَ الظَّلُومِ المُخاتلِ

ولكنْ أَخَذْتَ القَصْدَ جُهْدَكَ كُلَّهُ
تَقُدُّ مثَالَ الصالحينَ الأَوائلِ

فقُلْنا ولم نَكْذبْ بما قد بَدَا لَنَا
ومَنْ ذَا يَرُدُّ الحَقَّ من قَوْلِ قائل

ومَنْ ذا يَرُدُّ السَّهْمَ بَعْدَ مَضَائه
على فُوقِهِ إِذْ عَارَ من نَزْعٍ نابِلِ

ولولا الذي قد عَوَّدَتْنا خَلاَئفٌ
غَطَارِيفُ كانوا كاللُّيُوث البَوَاسل

لَمَا وَخَدَتْ شَهْراً بِرَحْلَى رَسْلَةٌ
تَقُدُّ مِتَانَ البيد بَيْنَ الرَّوَاحِل

وتقدم نصيب فاستأذنه أن ينشد شيئًا من شعره، فلم يأذن له، وأمر لكثير بثلاثمائة درهم وللأحوص بمثلها، ولنصيب بنصفها.

نبذة عن كثير عزة

هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعي، أحد شعراء الدولة الأموية، وهو من المدينة المنورة.

المصدر: كتاب "العقد الفريد" تأليف ابن عبد ربه الأندلسيكتاب "الشعر والشعراء" تأليف ابن قتيبة كتاب "الأغاني" تأليف أبو فرج الأصفهانيكتاب "البداية والنهاية" تأليف ابن كثير


شارك المقالة: