قصة قصيدة حياة ثم موت ثم بعث:
أمّا عن مناسبة قصيدة “حياة ثم موت ثم بعث” فيروى بأنه في أيام الجاهلية كان هنالك رجل يقال له خرافة، وفي يوم من الأيام اختطفته الجن، وعندما أخذوه اختلفوا في أمره، فقال الأول: نقتله، وقال الثاني: نجعله عبدًا عندنا، وقال الثالث: نطلق سبيله، وبينما هم على هذه الحال أتاهم جني رابع، وقد كان كبيرًا في السن، ويحمل في يده عصًا، وأمامه ثور وهو يقوم بمطاردته، فقال لهم: إذا قمت بإخباركم بحديث تعجبتم لسماعه، هل تدعوني أشارك معكم في دمه؟، فقالوا له: نعم.
فقال لهم: عندما كنت صغيرًا في العمر ذهبت أنا وأخوتي السبعة إلى بيت عمي، أريد أن أتزوج من ابنته، وبينما نحن جالسون في بيته، هرب عجل صغير من عنده، فقال لنا عمي: من يأتيني بهذا العجل أزوجه من ابنتي، فقمت ولحقت له، وما زلت لا أستطيع الإمساك به حتى يومنا هذا، فكنت إذا توقفت عن الركض وقف، وإذا لحقت به هرب، وهو ذلك الثور الذي رأيتموه يركض قبل لحظات، فقالوا له: والله إن حديثك لحديث عجيب، وقاموا بإشراكه في دم خرافة، وعاد الأربعة إلى اختلافهم في أمره.
وبينما هم على هذه الحال، أتاهم جني آخر، وقال لهم: إن حدثتكم بحديث عجيب، هل تشركوني معكم؟، فقالوا له: نعم: فقال لهم: لقد كنت أعيش في مدينة الجن، وقررت في يوم أن أسافر، وخرجت من المدينة، وبدأت في المسير، وبينما أنا في الصحراء تهت، وأصابني عطش شديد، وبينما أنا سائر وجدت بئرًا، فنزلت فيه لأشرب الماء، وعندما وصلت إلى أسفله، صاح علي أحدهم، فصعدت لأرى من هو، ولكني لم أجد أحد، فعدت إلى أسفل لأشرب الماء، فعاد وصاح، فصعدت لأرى من هو، ولكني لم أجد أحد، فعدت إلى الأسفل، وعاد إلى الصياح، ولكني لم أعره انتباهًا، وشربت الماء، فقال: اللهم إن كان رجلًا فاجعله امرأة، وإن كانت امرأة فاجعلها رجلًا، فأصبحت امرأة في نفس اللحظة، فصعدت وأكملت مسيري، ووصلت إلى مدينة، وتزوجت فيها، وأنجبت طفلين.
وأكمل قائلًا: وبعد عدة سنين، اشتقت إلى مدينتي، فتوجهت إليها، وبينما أنا في الصحراء، ذهبت إلى ذلك البئر لأشرب الماء، ونزلت إلى أسفله لكي أشرب، فصاح نفس الصوت بي، ولكنّي أكملت شرب الماء، ولم انتبه له، فدعا بنفس دعائه الأول، فتحولت إلى رجل، وعدت إلى مدينتي، وتزوجت فيها، وأنجبت طفلين، والآن لي أربعة أولاد، اثنان من بطني، واثنان من صلب ظهري، فقالوا له: والله إنه لحديث عجيب، وأشركوه في دم خرافة، واختلف الخمسة على ما يفعلون به.
وبينما هم على هذه الحال أتاهم سادس، وهو يركب على بغل، ومعه عبد يركب على بغل أيضًا، وقال لهم مثلما قال لهم من سبقوه، فوافق الخمسة على ذلك، فقال لهم: كان أبي ملك، وعندما مات ترك لي العرش، وترك أمي أيضًا، وكانت أمي تخون أبي مع عبد لها، فأتى إلي هذا العبد وأخبرني بذلك، وعندما علمت أمي وعبدها بأني قد اكتشفت أمرهما، حضرا لي سحرًا، وأرادا أن يسقياني إياه، ولكنّي احتلت عليهما، وأشربتهما إياه، فتحولت أمي إلى هذه البغلة التي أركبها، وتحول العبد إلى ذلك البغل الذي يركبه عبدي، فقالوا له: والله إن لحديث عجيب، وأشركوه معهم.
وبقوا على اختلافهم، وعددهم في الازدياد حتى اتفقوا على أن يقوموا بإطلاق سراحه، وبالفعل أطلقوا سراحه، وعندها ذهب يخبر كل من يلقاه بخبر ما حصل معه، وأصبح اسمه مرتبطًا بكل ما لا يمكن للعقل تصديقه، وفيه يقول ديك الجن:
أَأَتْرُكُ لَذَّةَ الصَّهْباءِ عَمْداً
لما وَعَدُوهُ مِنْ لَبَنٍ وخَمْرِ
حياةٌ ثُمَّ مَوتٌ ثُمَّ بَعْثٌ
حَديثُ خُرافَةٍ يا أُمَّ عَمْرِو
نبذة عن الشاعر ديك الجن:
هو عبد السلام بن رغبان الحمصي، ولد سنة سبعمائة وسبعة وسبعون للميلاد في مدينة حمص، لقب بديك الجن؛ لأنّ عيناه ملونتان باللون الأخضر وقيل البعض بأنّه لقب بهذا الاسم بسبب رثائه ديك أبي عمرو وقالوا البعض بأنه أصيب بالجنون لأنّه كان يقلد صوت الديك.
يعد ديك الجن شاعرًا من شعراء العصر العباسي وأيضًا أديبًا من أدباء هذا العصر، توفي في مدينة حمص سنة ثمانيمئة وخمسين للميلاد.