قصة قصيدة دببت للمجد والساعون قد بلغوا
أمّا عن مناسبة قصيدة “دببت للمجد والساعون قد بلغوا” فيروى بأن أبو نصر القرطبي كان يتردد إلى مجلس أبي علي القالي في مسجد فاطمة الزهراء في قرطبة، وكان أبو علي القالي يقص عليهم النوادر في مجلسه، وفي يوم من الأيام، وبينما كان أبو نصر في طريقه إلى المجلس، أخذ المطر بالهطول، وعندما وصل إلى مجلس أبي علي كانت جميع ملابسه مبتلة، وكان في المجلس أعلام من أهل قرطبة.
وعندما رآه أبو علي مبتلًا أمره بالاقتراب منه، وعندما اقترب منه، قال له: لا تحزن ولا تأسف على ما أصابك، فإن ماء المطر يزول عنك بسرعة، بثياب تبدلها بغير ثيابك، فأما أنا فيوجد بجسمي ندوب وجروح سوف تدخل معي إلى القبر، فقد كنت أتردد إلى مجلس ابن مجاهد عليه رحمة الله، وفي يوم ذهبت إلى مجلسه في آخر الليل وقبل أن يطلع الفجر، حتى أستفيد من علمه، فلما وصلت إلى الباب الذي يدخلني إلى مجلسه، وجدته مغلقًا، فقلت في نفسي: سبحان الله، أبعد هذا التعب الذي بذلته حتى أصل مجلسه لا أستطيع الدخول، والله لن يكون ذلك.
ثم أكمل أبو علي قائلًا: فنظرت إلى جانب البيت فرأيت سربًا ضيقًا، فدخلت منه، حتى وصلت إلى منتصفه، فضاق علي، فلم أستطع التحرك من مكاني، ولم أستطع النهوض حتى، وأثر السرب في جسدي، حتى انكشف العظم، ولكن الله من علي بأن استطعت الخروج بعد ذلك، ودخلت إلى المجلس على ما أنا عليه، فأين أنت مما حصل لي، ثم أنشد قائلًا:
دَبَبْتُ للمجدِ والساعون قد بلغوا
جَهْدَ النفوس وألقَوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم
وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه
لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا
فهان على أبو نصر ما حصل له من بلل ثيابه بجانب ما أصاب أبو علي، ولازمه حتى مات.
نبذة عن أبي علي القالي
هو أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي القالي، عالم عربي مسلم، ولد في بلدة شرق تركيا، ومن ثم انتقل إلى الأندلس، وأقام بها.