ما لا تعرف عن قصة قصيدة “دعوتك للجفن القريح المسهد”:
أمَّا عن مناسبة قصيدة “دعوتك للجفن القريح المسهد” عندما خرج ( بودرس ) ابن مرديس البطريق وهو ابن أخت ملك الروم ومعه ألف فارس من جنود الروم إلى منطقة “منبج” صادف الأمير أبو فراس الحمداني وهو يصطاد ومعه سبعين فارسًا فقال له أصحابه أن يستسلم ولكنه رفض وثبت حتى أثقلته الجراع ووقع أسيرًا عند الروم.
وكان وقتها في مجلس الأمير سيف الدولة الحمداني أخو (بودرس) ابن مرديس البطريق وكان قد أسرى هو وأبوه في الحرب الذي هزم فيها جده “الدمستق” التي وقعت في منطقة تدعى الحدث.
فلما وقع أبو فراس الحمداني أسيرًا عند (بودرس) ابن أخت الملك ساومه على أخراج أخيه أو دفع فدائه مقابل إطلاق سراحه ووافق بودرس على أن يطلق سراح أبو فراس الحمداني بدلاً من أخيه.
فبعث أبو فراس الحمداني إلى سيف الدولة بهذه القصيدة يطلب منه المفاداة به:
دَعوتُكَ لِلجَفنِ القَريحِ المُسَهَّدِ
لَدَيَّ وَلِلنَومِ القَليلِ المُشَرَّدِ
كتب في مطلع قصيدته استنجادًا بسيف الدولة لكي ينقذه من قسوة الأسر ومرارته وقلة نومه.
وَما ذاكَ بُخلاً بِالحَياةِ وَإِنَّها
لَأَوَّلُ مَبذولٍ لِأَوَّلِ مُجتَدِ
ويقول له أيضاً أنَه لم يطلب ذلك منه خوفًا على حياة فهو على استعداد أن يقدمها لأول شخص يطلبها منه.
وَما الأَسرُ مِمّا ضِقتُ ذَرعاً بِحَملِهِ
وَما الخَطبُ مِمّا أَن أَقولَ لَهُ قَدي
وَما زَلَّ عَنّي أَنَّ شَخصاً مُعَرَّضاً
لِنَبلِ العِدى إِن لَم يُصَب فَكَأَن قَدِ
وَلَكِنَّني أَختارُ مَوتَ بَني أَبي
عَلى صَهَواتِ الخَيلِ غَيرِ مُوَسَّدِ
ويقول أبو فراس أنه لو قدر له أن يختار ميتته لاختار ميتة تليقُ به وبقبيلته وهو على ظهر الخيل كما يموت الفرس وليسا على الفراش كما يموت الجبناء.
وَتَأبى وَآبى أَن أَموتَ مُوَسَّداً
بِأَيدي النَصارى مَوتَ أَكمُدَ أَكبَدِ
كما قال أيضاً:
فَقُلتُ أَما وَاللَهِ لاقالَ قائِلٌ
شَهِدتُ لَهُ في الحَربِ أَلأَمَ مَشهَدِ
وَلَكِن سَأَلقاها فَإِمّا مَنِيَّةٌ
هِيَ الظَنُّ أَو بُنيانُ عِزٍّ مُوَطَّدِ
وَلَم أَدرِ أَنَّ الدَهرَ في عَدَدِ العِدى
وَأَنَّ المَنايا السودَ يَرمَينَ عَن يَدِ
بَقيتَ اِبنَ عَبدِ اللَهِ تُحمى مِنَ الرَدى
وَيَفديكَ مِنّا سَيِّدٌ بَعدَ سَيِّدِ
بِعيشَةِ مَسعودٍ وَأَيّامِ سالِمٍ
وَنِعمَةِ مَغبوطٍ وَحالِ مُحَسَّدِ
وَلا يَحرَمَنّي اللَهُ قُربَكَ إِنَّهُ
مُرادي مِنَ الدُنيا وَحَظّي وَسُؤدَدي