قصة قصيدة سرت الهموم فبتن غير نيام

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة سرت الهموم فبتن غير نيام:

أمّا عن مناسبة قصيدة “سرت الهموم فبتن غير نيام” فيروى بأنه في أحد مواسم الحج اجتمع كبار شعراء العصر الأموي، ومنهم جرير والفرزدق وجميل بن معمر ونصيب، وجلسوا سوية، وبينما هم جالسون قال أحدهم: أما والله فإن اجتماعنا في هذا الموسم، ما هو إلا لخير أو لشر، ووالله إنه لا يجدر بنا ان نفترق من هنا إلا وقد فعلنا شيئًا يذكرنا به الناس، فوافقوه الرأي، ومن ثم اتفقوا على أن يذهبوا إلى بيت سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، وتوجهوا إلى بيتها، ووقفوا على الباب، وطرقوه، فخرجت لهم إحدى الجواري، وقالت لهم: ما شأنكم، ومن أنتم، فأخبروها بنسبهم، فأخبرتهم الجارية أن ينتظروا قليلًا، ودخلت إلى سيدتها، ومكثت قليلًا، ثم عادت، وقالت لهم: من منكم الذي يقول؟:

سَرَتِ الهُمومُ فَبِتنَ غَيرَ نِيامِ
وَأَخو الهُمومِ يَرومُ كُلَّ مَرامِ

ذُمَّ المَنازِلَ بَعدَ مَنزِلَةِ اللِوى
وَالعَيشَ بَعدَ أُلائِكَ الأَقوامِ

ضَرَبَت مَعارِفَها الرَوامِسُ بَعدَنا
وَسِجالُ كُلِّ مُجَلجِلٍ سَجّامِ

وَلَقَد أَراكِ وَأَنتِ جامِعَةُ الهَوى
نُثني بِعَهدِكِ خَيرَ دارِ مُقامِ

فَإِذا وَقَفتُ عَلى المَنازِلِ بِاللِوى
فاضَت دُموعي غَيرَ ذاتِ نِظامِ

طَرَقَتكَ صائِدَةُ القُلوبِ وَلَيسَ ذا
وَقتَ الزِيارَةِ فَاِرجِعي بِسَلامِ

تُجري السِواكَ عَلى أَغَرَّ كَأَنَّهُ
بَرَدٌ تَحَدَّرَ مِن مُتونِ غَمامِ

لَو كانَ عَهدُكِ كَالَّذي حَدَّثتِنا
لَوَصَلتِ ذاكَ فَكانَ غَيرَ رِمامِ

فقال لها جرير: أنا من قاله، فقالت له الجارية: والله إنك لم تحسن ولم تجمل، ولم يكن فعلك فعل رجل كريم، لا ستر الله عليك كما فضحت نفسك وفضحتها، لم تكن شريفًا حين قمت بردها بعد هدوء العين، وهي التي تحملت معك صعوبة الليل، هلا قلت:

طرقتكَ صائدة القلوبِ فمرحبًا
نفْسي فداؤك فادخلي بسلامِ

ومن ثم أعطته خمسمائة درهم، وقالت له: خذها واستعن بها في طريق عودتك، ثم استأذنت منهم ودخلت إلى سيدتها، وحينما عادت، قالت لهم من فيكم الذي قال:

ألا حبَّذا البيت الذي أنا هاجِرُه
فلا أنا ناسيه ولا أنا ذاكِرُه

فبورك من بيتٍ وطال نعيمه
ولا زال مَغشيًّا وخُلِّد عامِرُه

هو البيت بيتُ الطَّول والفضل دائمًا
وأسعد ربي جدَّ مَن هو زائره

به كل مَوشيِّ الذراعَين يرتعي
أصول الخُزامى ما تيقَّن طائرُه

هما دلَّتاني من ثمانين قامةً
كما انقضَّ بازٍ أقتمُ الريش كاسرُه

فلما استوت رِجلاي في الأرض قالتا:
أحيٌّ نُرَجِّي أم قتيلٌ نحاذِرُه

فأصبحتُ في أهلٍ وأصبح قصرُها
مُغلَّقةً أبوابُه ودساكرُه

فقال لها الفرزدق: أنا من قلته، فقالت له: والله إنك لم تصب ولم توفق فيما قلت، وأعطته ستمائة درهم، وقالت له: خذ هذه تعينك في طريق عودتك، ثم استأذنت ودخلت إلى البيت، وعندما عادت، قالت: من منكم الذي قال:

وَلَولا اِن يُقال صبا نُصيبُ
لَقُلتُ بِنَفسي النَشأ الصِغار

أَلا يا لَيتَني قامَرتُ عَنها
وَكانَ يحل لِلنّاسِ القِمار

فَصارَت في يَدي وَقمرت مالي
وَذاكَ الرِبح لَو عَلِم التِجار

عَلى الاِعراض مِنها وَالتَواني
فَاِن وَعدت فَمَوعِدِها ضَمار

بِنَفسي كُل مَهضوم حَشاها
إِذا قَهَرت فَلَيسَ لَها اِنتِصار

فقال لها نصيب: أنا من قلت ذلك، فقالت له: والله غنك قد أصبت وأكرمت، وأحسنت على ما قلت، ولكنك تغزلت في الفتيات، وتركت الكبيرات في العمر، وأعطته سبعمائة درهم، وقالت له: خذ هذه واستعن بها، ثم دخلت إلى المنزل، وعندما خرجت، قالت: من منكم الذي قال؟:

وَأَعجَبَني يا عَزَّ مِنكِ خَلائِقُ
كِرامٌ إِذا عُدَّ الخَلائِقُ أَربَعُ

دُنُوَّكِ حَتّى يَذكُرَ الجاهِلُ الصِبا
وَدَفعُكِ أَسبابَ المُنى حينَ يَطمَعُ

فَوَاللَهِ ما يَدري كَريمٌ مَطَلتِهِ
أَيَشتَدُّ أَن لاقاكِ أَم يَتَضَرَّعُ

وَمِنهُنَّ إِكرامُ الكَريمِ وَهَفوَةُ ال
اليَتيمِ وَخَلّاتُ المَكارِمِ تَنفَعُ

بَخَلتِ فَكانَ البُخلُ مِنكِ سَجيةً
فَلَيتَكِ ذو لونَينِ يُعطي وَيَمنَعُ

وَإِنَّكِ إِن واصَلتِ أَعلَمتِ بِالَّذي
لَدَيكِ فَلَم يوجَد لَكِ الدَهرَ مَطمَعُ

فقال لها كثير: أنا من قلت ذلك، فقالت له: لقد أحسنت فيما قلت، وأعطته ثمانمائة درهم، وقالت له: خذ هذه واستعن فيها، ثم دخلت إلى المنزل، وعندما خرجت، قالت: من منكم الذي قال؟:

لكل حديثٍ بينهن بَشاشةٌ
وكل قتيلٍ بينهن شهيدٌ

يقولون جاهِد يا جميلُ بغزوة
وأي جهادٍ غيرَهن أريدُ

وأفضل أيامي وأفضل مشهدي
إذا هيجَ بي يومًا وَهنَّ قُعُودُ

فقال لها جميل بن معمر: أنا الذي قلت ذلك، فقالت له: والله إنك قد أحسنت فيما قلت، وعففت من قلت لها هذا الكلام، وأكرمت نفسك، فادخل، فدخل جميل بن معمر، وجلس مع سكينة، فقالت له: أنت من قام بجعل الذي قتل عندنا شهيد، وأعطته ألف درهم، وقالت له: أنت أشعر واحد فيهم.

نبذة عن الشاعر جرير:

هو جرير بن عطية التميمي، ولد في نجد في الجزيرة العربية، وهو من أهم شعراء العصر الأموي، وأهم الشعراء العرب على مر العصور، اشتهر بشعر الهجاء.


شارك المقالة: