قصة قصيدة - طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن قصيدة “طربت وما شوقا إلى البيض أطرب”:

أمَّا عن التعريف بالشاعر الكميت بن الأسدي، هو شاعرًا من شعراء أهل الكوفة يكنى أبو المستهل، عرف بالعصر الأموي فكان عالمًا بالنسب وأدب ولغات العرب، فكان ينحاز إلى بني هاشم فيكثر فيهم المدح وأيضاً كان متعصباً للمضرية على القحطانية، فعرف عنه من أصحاب الملحمات، أشهر شعره بمدح الهاشميين تسمّى “الهاشميات” فهذه ترجمت إلى الألمانية.

يقال أن الفرزدق مر على الكميت فكان يقول الشعر وهو صبي، فقال له الفرزدق: يا كميت، أيسرك أن أكون أبوك، فرد عليه الكميت: لا!، ولكن يسعدني أن تكون أمي؟، تعجب الفرزدق منه وقال لجنوده لم أرَ مثل هذا الغلام قط.

عرف عن الكميت هو أول من دخل النقاش الشعر العربي، فكان يناضل ويدافع عن آل بيت رسول الله صل الله عليه وسلم وجعل شعره كل حياته، حيث كرس نفسه دفاعًا عن آل البيت.

أمَّا عن وفاة الكميت بن الأسدي: فتوفي الكميت في عهد الوليد بن يزيد بن عبد الملك عام “126” للهجرة، حيث توفي على يد جنود يوسف الثقفي أمير الكوفة فوضعوا سيوفهم في بطنه فقد فاجؤوه بها، فقد نزف دمًا كثيرًا حتى مات، رحمة الله عليه.

قال أبو عبيدة عن الكميت الأسدي: لو لم يكن لبني أسد الفعل الكريم والمفخرة غير الكميت لكفاهم!، وقال عكرمة الضبي عن شعر الكميت الأسدي: لولا أن شعر الكميت لم يكن مترجمًا للغات الآخرى؟ لا جتمعت فيه خصال لم تجتمع بشاعر غيره، فكان خطيبًا وفقيهًا وفارسًا وكريمًا وسخيًا، فكان أفضل قومه في رمي الرمح، بني أسد، قال عنه الميداني أيضاً: إن الكميت ثلاثة: الكميت بن ثعلبة، ثم الكميت بن معروف، ثم الكميت بن زيد!، فكلهم من بني أسد؟.

يعدّ هذا الشعر مشهور للغاية حيث يقول الكميت أنَّه لم يشتاق إلى البيض الحسان، وأيضاً لم تعدّ نفسه تتوق إلى ملاعبة النرد؛ لأنه كان قد شغله الشيب عن ذلك كله؟

أمَّا عن هذه القصيدة “طربت وما شوقا إلى البيض أطرب” فلها حكاية جميلة دارت بين الشاعر الكميت بن الأسدي وشيخ شعراء الدولة الأموية الفرزدق، فقد ذكر أبي الفرج الأصفهاني في “كتابه الاغاني” أن الشاعر الكميت عندما قال الشعر كان أول ما يقوله: “مدح الهاشميين” فلم يخبر بها أحدًا، ذهب إلى الفرزدق فقال له: يا أبا فراس أنك شيخٌ من شيوخ قبيلة مضر وشاعرها، وأنا الكميت بن الأسدي أبن أخيك، فقال له الفرزدق: نعم، أنت ابن أخي فماذا تريد؟، فقال له: لقد طرح على لساني شعرًا أحببتُ أن أقوله لك، فإذا كان مستحسًا نشرته وأن كان قبيحًا سترته وكأني لم أقول شيء، فقال له الفرزدق: أن عقلك حسن، أتمنى أن يكون شعرك مثل عقلك، فأطربني بما كتبت!، فأنشد قائلاً:

طَِربْتُ ومَا شَوْقاً إلى البيْضِ أَطْرَبُ
فقال له الفرزدق: فماذا تطرب يا كميت؟، فرد عليه بتكملة البيت قائلا: وَلَا لَعِبَاً مِنّي أذُو الشَّيْبِ يَلْعَبُ

فقال له الفرزدق: بلى! يا كميت، إلعبْ فإنك في لحظة اللعب! فقال له:

وَلَمْ يُلْهِنِي دَارٌ وَلا رَسْمُ مَنْزِلٍ ..
وَلَمْ يَتَطَرَّبْنِي بَنَانٌ مُخَضَّبُ

وعندما سمع هذا البيت قال له الفرزدق: ما الذي يُطرِبُكَ كميت؟، فرد عليه بهذه الأبيات:

وَلاَ أنا مِمَّنْ يَزْجرُ الطَّيْرَ هَمُّهُ ..
أصَاحَ غُرَابٌ أمْ تَعَرَّضَ ثَعْلبُ

وَلَا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً ..
أَمَرَّ سَلِيمُ القَرنِ أمْ مَرَّ أعضَبُ .؟

فقال الفرزدق: أجل، لا تتطير! فقال هذا البيت:

وَلكنْ إلى أهلِ الفَضَائِلِ وَالنُّهَى
وَخيرِ بَنِي حَوَّاءَ وَالخَيْرُ يُطلَبُ

فقال: ومن هؤلاء؟ ويحك يا كميت!، فرد عليه:

إلى النـَّفَرِ البِيضِ الذينَ بِحُبِّهِمْ ..
إلـى اللَّهِ فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ

فعاد السؤال للكميت قائلا: أَرِحنِي من هؤلاء؟، قال:

بَنِي هَـاشِمٍ رَهـــطِ النَّبِيِّ فَإنَّنِي ..
بِهِمْ وَلَهُمْ أرضَى مِرَارَاً وَأغْضَبُ

خَفَـضْتُ لَهُمْ مِنِّي جَنَاحَ مَوَدَّتِي ..
إلـى كَنَفٍ عِطفَاهُ أَهْلٌ وَمَرحَبُ

وَكُنْتُ لَهُمْ مِنْ هَؤُلَاكَ وَهَؤلَا ..
مِجَنَّاً عَلَى أنِّي أُذَمُّ وَأُقْصَبُ

وَأُرمَى وَأرمِي بِالعَدَاوَةِ أهْلَها ..
وَإنِّي لأُوذَى فِيهُمُ وَأُؤَنَّبُ

فَمَا سَاءَني قَولُ امرِىءٍ ذِي عَدَاوةٍ ..
بِعَورَاء فِيهِمْ يَجْتَدِينِي فَيَجْدُبُ

فَقُلْ لِلَّذِي في ظِلِّ عَمْيَاءَ جَونَةٍ ..
يَرَى الجَوْرَ عَدلاً .! أيْنَ تَذهَبُ .؟

بِأيِّ كِتَابٍ .؟ أَمْ بِأيَّةِ سُنَّةٍ ..
تَرَى حُبَّهُمْ عَارَاً عَلَيَّ وَتَحسَبُ .؟!

فقال له الفرزدق: يا كميت، ادعُ ثم ادعُ! فوالله أنك أشعر من ذهب، وأفضل من بقي!.


شارك المقالة: