قصة قصيدة طرقتك زائرة فحي خيالها
أمّا عن مناسبة قصيدة “طرقتك زائرة فحي خيالها” فيروى بأنّه في يوم من الأيام وبعد أن توفي معن بن زائدة، دخل مروان بن أبي حفصة إلى مجلس الخليفة المهدي، وكان معه جماعة من الشعراء، وعندما وقف بين يدي الخليفة أنشده قصيدة يمدحه فيها، فسأله الخليفة، قائلًا: من أنت؟، فقال له: أنا شاعرك مروان بن أبي حفصة، فقال له الخليفة: ألست أنت من أنشدت تمدح معن بن زائدة، قائلًا:
مَضى لِسَبيلِهِ مَعنٌ وَأَبقى
مَكارِمَ لَن تَبيدَ وَلَن تُنالا
كَأَنَّ الشَمسَ يَومَ أُصيبَ مَعنٌ
مِنَ الإِظلامَ مُلبَسَةٌ جِلالا
هُوَ الجَبَلُ الَّذي كانَت نِزارٌ
تَهدُّ مِنَ العَدُوِّ بِهِ الجِبالا
وَعُطِّلَتِ الثُغورُ لِفَقدِ مَعنٍ
وَقَد يُروي بِها الأَسَلَ النِهالا
وَأَظلَمَتِ العِراقُ وَأَورَثَتها
مُصيبَتُهُ المُجَلِّلَةُ اِختِلالا
وَظَلَّ الشامُ يَرجِفُ جانِباهُ
لِرُكنِ العِزِّ حينَ وَهيَ فَمالا
والآن قد جئت تطلب مني النوال، وقد ذهب كما زعمت بعد أن توفي معن بن زائدة، ثم قال له: لا شيء لك عندي، وأمر رجاله بأن يجروه إلى خارج مجلسه، فأخرجوه مجرورًا من مجلس الخليفة، وفي العام التالي، دخل مروان إلى مجلس الخليفة مع جمع من الشعراء، ووقف بين يدي الخليفة، وأنشده قائلًا:
طَرَقَتكَ زائِرَةً فَحَيِّ خَيالَها
بَيضاءُ تُخلِطُ بِالحَياءِ دَلالَها
قادَت فُؤادَكَ فَاِستَقادَ وَمِثلُها
قادَ القُلوبَ إِلى الصِبا فَأَمالَها
وَكَأَنَّما طَرَقَت بِنَفحَةِ رَوضَةٍ
سَحَّت بِها دِيَمُ الرَبيعِ ظِلالَها
باتَت تُسائِلُ في المَنامِ مُعَرِّساً
بِالبيدِ أَشعَثَ لا يَمَلُّ سُؤالَها
في فِتيَةِ هَجَعوا غِراراً بَعدَما
سَئِمو مُراعَشَةَ السُرى وَمِطالَها
فَكَأَنَّ حَشوَ ثِيابِهِم هِندِيَّةٌ
نَحَلَت وَأَغفَلَتِ العُيونُ صَقالَها
وَضَعوا الخُدودَ لَدى سَواهِمَ جُنَّحٍ
تَشكو كُلومَ صِفاحِها وَكَلالَها
طَلَبَت أَميرَ المُؤمِنينَ فَواصَلَت
بَعدَ السُرى بِغُدُوِّها آصالَها
فاستمع له حتى وصل إلى قوله:
هَل تَطمِسونُ مِنَ السَماءِ نُجومَها
بِأَكُفِّكُم أَم تَستُرونُ هِلالَها
أَم تَجحَدونَ مَقالَةً عَن رَبِّكُم
جبِريلُ بَلَّغَها النَبِيَّ فَقالَها
وقال: كم بيت هي؟، فقال له مائة بيت، فأمر له بمائة ألف درهم.
نبذة عن مروان بن أبي حفصة
هو مروان بن أبي حفصة سليمان بن يحيى بن أبي حفصة يزيد بن عبد الله الأموي، من شعراء صدر الإسلام، ولد في اليمامة في نجد، وتوفي في بغداد.