قصة قصيدة عفا الجو من سلمى فبادت رسومها
أمّا عن مناسبة قصيدة “عفا الجو من سلمى فبادت رسومها” فيروى بأنه في يوم من الأيام أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان في مجلسه، وكان في مجلسه جمع من الشعراء، ومن بينهم جرير بن الأخطل، وبينما هم جالسون استأذن الأخطل للدخول إلى المجلس، فأذن له أمير المؤمنين، فدخل، ورد السلام على الخليفة، ومن ثم تقدم ووقف بين يديه، وجعل الجرير من خلفه، فقال له الخليفة: أنشد يا أخطل، فأنشد الأخطل قائلًا:
عَفا الجَوُّ مِن سَلمى فَبادَت رُسومُها
فَذاتُ الصَفا صَحراؤُها فَقَصيمُها
فَأَصبَحَ ما بَينَ الكُلابِ وَحابِسٍ
قِفاراً يُغَنّيها مَعَ اللَيلِ بومُها
خَلَت غَيرَ أُحدانٍ تَلوحُ كَأَنَّها
نُجومٌ بَدَت وَاِنجابَ عَنها غُيومُها
بِمُستَأسِدٍ يَجري النَدى في رِياضِهِ
سَقَتهُ أَهاضيبُ الصَبا فَمُديمُها
إِذا قُلتُ قَد خَفَّت تَواليهِ أَقبَلَت
بِهِ الريحُ مِن عَينٍ سَريعٍ جُمومُها
فَما زالَ يَسفي بَطنَ خَبتٍ وَعَرعَرٍ
وَأَرضَهُما حَتّى اِطمَأَنَّ جَسيمُها
وَعَمَّهُما بِالماءِ حَتّى تَواضَعَت
رُؤوسُ المِتانِ سَهلُها وَحُزومُها
بِمُرتَجِزٍ داني الرَبابِ كَأَنَّهُ
عَلى ذاتِ مِلحٍ مُقسِمٌ لا يَرَيمُها
حتى وصل إلى قوله:
وَإِنَّكَ في الأُخرى إِذا هِيَ شَبَّهَت
لَقَطّاعُ أَقرانِ الأُمورِ صَرومُها
فَلا تُطعِمَن لَحمي الأَعادِيَ إِنَّهُ
سَريعٌ إِلَيكُم مَكرُها وَنَميمُها
لَعَمري لَئِن كانَت كُلَيبٌ تَتابَعَت
عَلى أَمرِ غاويها وَضَلَّت حُلومُها
لَقَد عَجَموا مِنّي قَناةً صَليبَةً
إِذا ضَجَّ خَوّارُ القَنا وَسَؤومُها
وَما أَنا إِن مُدَّ المَدى بِمُقَصِّرٍ
وَلا عَضَّةٌ مِنّي بِناجٍ سَليمُها
وَإِنّي لَقَوّامٌ مَقاوِمُ لَم يَكُن
جَريرٌ وَلا مَولى جَريرٍ يَقومُها
فقال الجرير: نعم، والله إنه قد صدق فيما قال، فإنه يقوم إلى الخمر حتى يشربه كاملًا، ويقوم إلى لحم الخنزير فيأكل منه ما أراد، ويقوم إلى الصليب ويقبله، ويقوم بالسجود له، وإني لا فعل ما يفعل، ولا مولاي يفعل ما يفعل.
نبذة عن الأخطل
هو غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو بن سيجان بن عمرو بن فدوكس بن عمرو بن مالك بن جشم بن بكر، ولد في الحيرة في عام ستمائة وأربعون ميلادي، ومن ثم انتقل إلى الشام، ومدح العديد من الخلفاء الأمويين هنالك، وكان من المقربين لديهم.