قصة قصيدة فؤادي أسير لا يفك ومهجتي:
أمّا عن مناسبة قصيدة “فؤادي أسير لا يفك ومهجتي” فيروى بأنّ الأصمعي في يوم دخل إلى البصرة، ويومها توجه إلى بيت الزبير بن العوام، وقبل أن يدخل إلى البيت، لقي عند الباب رجلًا كبيرًا في العمر يقال له أبو ريحانة، فسلم عليه، وجلس معه، وبدأ يتحدث إليه، وبينما كان الرجلان يتحدثان، خرجت إليهما جارية سوداء، وعندما رآها أبو ريحانة، وقف من فوره، وقال لها: غني لي شيئًا، فقالت له: إن مولاي قد استعجلني، فقال لها: لا بد أن أسمع صوتك، فقالت له: ليس والقربة في يدي، فقال لها: أنا أحملها عنك، فحملها، وبدأت الشاعرة تنشد قائلة:
فؤادي أسيرٌ لا يُفكُّ ومُهجتي
تقضَّى وأحزاني عليك تطولُ
ولي مهجةٌ قَرْحَى لطُولِ اشتياقها
إليكَ وأجفاني عليك هُمُولُ
كفى حَزَنًا أني أموتُ صبابةً
بدائي وأنصاري عليك قليلُ
وكنتُ إذا ما جئتُ جئتُ بعلَّةٍ
فأفنيتُ علَّاتي فكيف أقولُ؟
فطرب الرجل ممّا سمع، وأخذ يصرخ، ويضرب بالقربة على الأرض، حتى ثقبها، وعندما رأت الجارية ذلك بدأت بالبكاء، وقالت له: هل هذا جزائي لأني أنشدت لك، إن مولاي سوف يعاقبني بسبب ذلك، فقال لها: لا والله لن أدع شيئًا كذلك يحصل لك، وأمسك بها من يدها وسار معها حتى وصلا إلى السوق، ولم يكن معه وقتها سوى شملة، فقلعها وذهب بها إلى محل الثياب وباعها له.
وبثمنها ذهب واشترى قربة جديدة، وأعطاها له، فحملت القربة وتوجهت عائدة إلى بيت مولاها، وجلس أبو ريحانة في السوق، وبينما هو جالس مر به رجل من الطالبية، فسأله عن سبب جلوسه، وما به، فأخبره بقصته، فقال له الرجل: أنت ممّن قال الله تعالى فيهم: { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}، فقال له: لا والله، أنا ممّن قال الله تعالى فيهم: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}، فضحك الرجل منه، وأمر له بألف درهم، وبلباس جديد.
حالة الشاعرة:
كانت حالة الشاعرة عندما ألقت هذه القصيدة الوجع على فراق حبيبها، والاشتياق لرؤيته متذكرة الأيام التي كانت تلقاه فيها.