قصة قصيدة فهمت الذي عيرت يا خير من مشى:
أمّا عن مناسبة قصيدة ” فهمت الذي عيرت يا خير من مشى” فيروى بأنه كان هنالك رجلًا من بني عامر يقال له صخر العقيلي، وكان لصخر ابنة عم تدعى ليلى، وكان صخر يحب ليلى حبًا شديدًا، وهي تحبه أيضًا، وكانا يلتقيان كل يوم في مكان لهما، ولا يتخلف أحدهما في يوم عن الآخر، وكان عند ليلى جارية، تبعث لصخر برسائل ليلى، وتحضر رسائله لها.
وفي يوم من الأيام قام والده بتزويجه من فتاة من قبيلة الأزد، ولكنه كان كارهًا لهذا الزواج، وغير موافق عليه، خوفًا من ان تكرهه ليلى، وعندما وصلها خبر زواجه، أعرضت عنه، ولم تعد للمكان الذي كانا يتقابلان فيه، فمرض بسبب ذلك مرضًا قويًا، وأخبر ابن عمه بسره، فأصبح ابن عمه يساعده للذهاب إلى مكان لقاءه بليلى، فيبقى فيه طوال الليل، وهو يبكي عليها، حتى يأتيه الصباح، فيحمله ابن عمه، ويعيده إلى بيته.
وعلى الرّغم من إعراضها عنه، فإن ليلى بقيت تحبه، كتبت له بكتاب، وبعثته له مع جاريتها، وفي هذا الكتاب كتبت له:
تعسًا لمن لَغير ذنبٍ يَصرِمُ
قد كُنتَ يا صَخرُ زمانًا تزعُمُ
أنَّك مشغوفٌ بنا مُتيَّمُ
فالحمدُ لله على ما يُنعِمُ
لما بدا منكَ لنا المُجمجَمُ
والله ربِّي شاهِدٌ قَد يَعلَمُ
أن رُبَّ خِطبٍ شأنُهُ يُعظَّمُ
رَدَدتُهُ والأنفُ منه يرغَمُ
فخرجت الجارية، وتوجهت إلى صخر، حتى أدركته، فأوقفته، وأعطته كتاب ابنة عمه، وعندما قرأه، حزن حزنًا شديدًا، وقال للجارية: أبلغيها عني أني أقول:
فهمتُ الذي عيَّرْتِ يا خَيرَ مَن مشى
وما كانَ عن رأيي وما كان عن أمري
دُعيتُ فلم أفعَل، وزُوِّجتُ كارِهًا
وما ليَ ذنبٌ، فاقبَلي واضِحَ العُذرِ
فإن كنتُ قد سُمِّيَتُ صخرًا، فإنني
لأَضعفُ عن حَملِ القليلِ من الصخرِ
ولستُ وربِّ البيتِ أبغي مُحدِّثًا
سِواكِ ولو عِشنا إلى مُلتَقى الحَشرِ
فقالت له الجارية: إن كنتَ تتقول أنك لم ترد أن تتزوج، وبأن أباك قد غصبك على ذلك، فاجعل أمرَ امرأتك بيدي، وبذلك تعلم ليلى أنك تحبها هي، ولا تحب سواها، فقال لها: لا، ولكني أجعل أمرها بيد ليلى، فتوجهت الجارية إلى ليلى، وأخبرتها بأن أمر زوجة ابن عمها في يدها، ولكن ليلى رفضت أن تطلقها منه، وأخبرت الجارية بأن تخبره بأنها تريد لقاءه، فتوجهت الجارية إليه، وأخبرته بموعد اللقاء.
وفي تلك الليلة تلاقيا، وتعاتبا، وتشاكيا، فقالت له الجارية: اجعل أمر زوجتك في يدي، فإنّ ليلى لا تقبل أن تطلقها منك، فجعل أمر زوجته في يد الجارية، فطلقتها منه، وعاد صخر يلاقي ليلى كل ليلة كما سبق، وعندما وصل خبر ذلك إلى زوجته، أنشدت تهجو ليلى وقومها قائلة:
ألا أبلِغا عنِّي عُقَيلًا رِسَالَةً
وما لعُقَيلٍ من حَيَاءٍ ولا فَضلِ
نساؤهمُ شرُّ النِّساءِ وأنتُمُ
كذلك، إن الفرع يَجري على الأصلِ
أما فيكُمُ حُرٌّ يَغارُ على اخته
وما خيرُ حيٍّ لا يَغارُ على الأهلِ
نبذة عن صخر العقيلي:
هو صخر العقيلي العامري، أحد شعراء العصر العباسي، من قبيلة عامر بن صعصعة.