قصة قصيدة قالت أراه واحدا لا أخا له
أمّا عن مناسبة قصيدة “قالت أراه واحدا لا أخا له” فيروى بأن الشاعر الفرزدق كان متزوجًا من امرأة يقال لها نوار، وبعد أن مضى دهر على زواجه منها، ولأنه لم يولد له أي غلام، وفي يوم من الأيام قامت زوجته نوار بتعييره بأنه ليس لديه أي أبناء، فأنشد الفرزدق قائلًا:
قالَتْ أَراهُ واحداً لا أَخَا لَهُ
يْؤَملُهُ في الوارثين الأَباعُد
لَعَلَّك يوْماً أَنْ تَرَينْى كأَنَّما
بَنَّى حَوَالَىَّ الأُسُودُ الحَوَاردُ
فإِنَّ تَميماً قَبْلَ أَن يَلِدَ الحَصَى
أَقام زَماناً وهُو في الناس واحدُ
ومن بعد ذلك ولد له أربعة أبناء وهم لبطة وخبطة وسبطة وركضة، وكانوا جميعهم منها، وابن خامس يدعى زمعة من امرأة أخرى، فأنشد قائلًا:
وَتَقولُ كَيفَ يَميلُ مِثلُكَ لِلصِبا
وَعَلَيكَ مِن سِمَةِ الحَليمِ عِذارُ
وَالشَيبُ يَنهَضُ في السَوادِ كَأَنَّهُ
لَيلٌ يَصيحُ بِجانِبَيهِ نَهارُ
إِنَّ الشَبابَ لَرابِحٌ مَن باعَهُ
وَالشَيبُ لَيسَ لِبائِعيهِ تِجارُ
يا اِبنَ المَراغَةِ أَنتَ أَلأَمُ مَن مَشى
وَأَذَلُّ مَن لِبِنانِهِ أَظفارُ
وَإِذا ذَكَرتَ أَباكَ أَو أَيّامَهُ
أَخزاكَ حَيثُ تُقَبَّلُ الأَحجارُ
إِنَّ المَراغَةَ مَرَّغَت يَربوعَها
في اللُؤمِ حَيثُ تَجاهَدَ المِضمارُ
أَنتُم قَرارَةُ كُلَّ مَدفَعِ سَوءَةٍ
وَلُكُلِّ دافِعَةٍ تَسيلُ قَرارُ
نبذة عن الفرزدق
هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي، ولد في عام ستمائة وواحد وأربعون ميلادي في البصرة، وهو واحد من أكبر شعراء العصر الأموي، وأكبر الشعراء على مر العصور حتى زماننا هذا، يكنى بأبي فراس، ولقب بالفرزدق بسبب ضخامة وجهه، من شعره الفخر والمدح، ولكنه كان يتميز بالهجاء.
نظم العديد من الأبيات في كل فنون الشعر المعروفة في عصره، وكان يكثر من الشعر الذي يفخر به في نفسه، ومن بعد ذلك الهجاء، وأقل شعره في المدح، مدح العديد من الخلفاء الأمويين في الشام، ولكنه لم يدم عندهم بسبب حبه لآل البيت.
عاصر كلًا من الأخطل والجرير، وكانا من أفضل الأصدقاء، ولكن النقائض التي كانت بينهما أوهمت الناس أن بينهما عداوة وحقدًا، وانقسم الناس في أمرهما إلى قسمين، فأصبح لكل شاعر منهما فريق، وبعد أن توفي الفرزدق رثاه الجرير بقصيدة كانت من أجمل ما يكون.