قصة قصيدة قد أرغم الله أنفا أنت حامله:
أمّا عن مناسبة قصيدة “قد أرغم الله أنفاً أنت حامله” فيروى بأنه في يوم من الأيام دخل رجل أعرابي على الخليفة عبد الملك بن مروان، ووقف بين يديه، وقام بمدحه بقصيدة نالت إعجاب الخليفة، وقال له: من أين أتيت أيها الرجل؟، فقال له الأعرابي: إنني رجل من قبيلة عذرة، فقال له الخليفة: إنك من قوم يقال فيهم أنهم من أفصح الناس، فهل تعرف في الشعر؟، فقال له الأعرابي: نعم يا مولاي؟، فقال له: ما هو أهجا بيت في الإسلام؟، فقال له: إنه قول الجرير حينما أنشد:
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فقال له أمير المؤمنين: أحسنت أيها الأعرابي، وما هو أفضل بيت مدح قيل في الإسلام؟، فقال له الأعرابي: نعم يا مولاي، إنه بيت قاله الجرير، وفيه قال:
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
فقال له الخليفة: وهل تعرف ما هو أرق بيت شعر قيل في الإسلام؟، فقال الأعرابي: نعم يا مولاي، إنه بيت للجرير، أنشد فيه:
إن العيون التي في طرفها مرض
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله أركانا
فقال له الخليفة: أحسنت والله، فهل رأيت الجرير من قبل؟، فقال له الأعرابي: لا والله يا مولاي، وإني والله لا أطيق صبرًا حتى أراه، ورؤيته هي سبب دخولي إلى مدينتكم، فقال له الخليفة: هذا هو الجرير، وبجواره الأخطل، والفرزدق، فأنشد الأعرابي قائلًا:
فحيا الإله أبا حزرة
وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به
ودق خياشيمه الجندل
فأنشد الفرزدق قائلًا:
قد أرغم الله أنفاً أنت حامله
يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم المرضى حكومته
ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
نبذة عن الفرزدق:
هو همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي، ولد في عام ستمائة وواحد وأربعون ميلادي في البصرة، ويعتبر واحدًا من أشهر شعراء العصر الأموي، وأشهر الشعراء على مر التاريخ.
اشتهر بشعر المدح والفخر والهجاء، وكان بينه وبين الجرير نقائض، أوهمت الناس بأنهما يكرهان بعضهما البعض، ولكن حينما توفي الفرزدقرثاه الجرير بقصيدة جميلة.