قصة قصيدة ليتني كنت قبل ما قد بدا لي:
أمّا عن مناسبة قصيدة “ليتني كنت قبل ما قد بدا لي” فيروى بأن أمية بن أبي الصلت في يوم من الأيام دخل إلى بيت أخته، وكانت وقتها تصنع ردائًا لها، وجلس معها أمية، وبينما هما جالسان أصابه نعاس، فذهب إلى سرير في طرف البيت ونام عليه، وبينما هو نائم رأى في منامه أن سقف البيت قد انشق، ودخل منه طائران، وقف أحدهما بعيدًا عنه، ونزل الآخر ووقف على صدره، وقام بفتح صدره، وأخرج قلبه من مكانه، وفتحه، وعندها قال الطائر البعيد له: هل أفاق؟، فقال له الطائر الذي على صدره: نعم، فقال الطائر البعيد: هل قبل؟، فقال له الطائر: لا لم يقبل، ومن ثم أعاد صدره إلى مكانه، فنهض أمية، ولحق بهما وأنشد قائلًا:
لبّيكما لبيكما هأنذا لديكما
لا بريءٌ فأعتذر، ولا ذو عشيرةٍ فأنتصر
فعاد الطائر ووقف عليه، وفتح له صدره، وأخرج منه قلبه، وفتحه، فقال له الطائر البعيد: هل أفاق؟، فقال له: نعم، فقال له البعيد: هل قبل؟، فقال له: لا لم يقبل، فأعاد قلبه إلى مكانه، وأفاق أمية، ولحق بهما ببصره، وأنشدهما قائلًا:
لبّيكما لبيكما هأنذا لديكما
لا مالٌ يغنيني، ولا عشيرةٌ تحميني
فعاد الطائر ووقف عليه، وفتح له صدره، وأخرج منه قلبه، وفتحه، فقال له الطائر البعيد: هل أفاق؟، فقال له: نعم، فقال له البعيد: هل قبل؟، فقال له: لا لم يقبل، فأعاد قلبه إلى مكانه، وأفاق أمية، ولحق بهما ببصره، وأنشدهما قائلًا:
لبّيكما لبيكما هأنذا لديكما
محفوفٌ بالنّعم، محوطٌ من الريب
فعاد الطائر ووقف عليه، وفتح له صدره، وأخرج منه قلبه، وفتحه، فقال له الطائر البعيد: هل أفاق؟، فقال له: نعم، فقال له البعيد: هل قبل؟، فقال له: لا لم يقبل، فأعاد قلبه إلى مكانه، وأفاق أمية، ولحق بهما ببصره، وأنشدهما قائلًا:
لبّيكـمـا لـبـيكـمـا هأنـذا لـديكـمــا
إن تغفر اللّهمّ تغفر جمًّا وأيّ عبدٍ لك لا ألمًّـا
فأفاق أمية من نومه، وأخذ يمسح على صدره، فقالت له أخته: هل بك شيء، فقال لها: لا والله، ولكن أحس بحرارة في صدري، ومن ثم أنشد قائلًا:
لَيتَني كُنتُ قَبلَ ما قَد بَدا لي
في رُؤوسِ الجِبالِ أَرعى الوعولا
فَاِجعَلِ المَوتَ نُصبَ عَينِكَ وَاِحذَر
غولَةَ الدَهرِ إِنَ لِلدَهرِ غولا
نائِلاً طَرفُها القَساوِرَ وَالصُدعانَ
وَالطِفلُ في المَنارِ الشَكيلا
وَبُغاثَ اليَعفُرِ وَاليَعفُرَ النافِرُ
وَالعوهَجَ التُؤَامَ الضَئيلا
إِنَ يومَ الحِسابِ عَظيمٌ
شابَ فيهِ الصَغيرُ شَيباً طَويلاً
نبذة عن أمية بن أبي الصلت:
هو أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي، أحد حكماء وشعراء العصر الجاهلي، وهو من أهل الطائف، ولكنه انتقل إلى الشام قبل الإسلام، أدرك الإسلام، وقابل الرسول صل الله عليه وسلم، ولكنه لم يسلم.