قصة قصيدة نذر الناس يوم برئك صوما
أمّا عن مناسبة قصيدة “نذر الناس يوم برئك صوما” فيروى بأن في يوم من الأيام مرض أمير قوم مرضًا شديدًا، وكان هذا الأمير محبوبًا بين جميع أهل قومه، فقد كان هذا الأمير سندًا لهم، يعيهم على أمور حياتهم، عادلًا لا يظلم أحد عنده، وكريمًا لا يرد أحد منهم، وبسبب هذا كله، قام القوم جميعهم بالنذر لله تعالى أن يصوموا في اليوم الذي يشفى فيه هذا الأمير من مرضه.
وبالفعل وفي اليوم الذي شفي فيه الأمير من مرضه، صام جميع أهل القوم ما عدا رجل واحد، وهو ابن الدهان البغدادي، وعندما وصل خبر ذلك إلى الأمير فرح بما فعلوا فرحًا شديدًا، ولكنه غضب من ابن الدهان البغدادي لأنه لم يصم معهم، فقد أحس بأنه لا يحبه كما يحبه القوم، فقرر أن يصنع وليمة، ويدعوا عليها جميع أهل القوم، وعندما أقام الوليمة ودعاهم إلى قصره، قام بإكرامهم واحتفى بهم، ولكنه في الوقت ذاته لام وعاتب ابن الدهان البغدادي على فعلته، ولكن ابن الدهان كان حذقًا، فأجابه قائلًا:
نذر الناس يوم برئك صومًا
غير أني نذرت وحدي فطرًا
جازم أنَّ يوم برئك عيد
لم يجز صومه وإن كان نذرًا
فسكت الأمير عن لومه، واقتنع بما قال له.
نبذة عن ابن الدهان البغدادي
هو أبو محمد سعيد بن المبارك بن علي الأنصاري، المعروف بابن الدهان، وهو عالم باللغة العربية والأدب، وشاعر، ولد في عام أربعمائة وأربعة وتسعون للهجرة في مدينة بغداد في العراق، ونشأ فيها، ومن ثم انتقل إلى مدينة الموصل، واتصل بالوزير جمال الدين الأصفهاني، ومدحه، فأكرمه الوزير الأصفهاني، وبقي في الموصل يعلم الناس اللغة العربية.
مؤلفاته كثيرة، وكان قد أبقاها في بغداد، قبل أن ينتقل إلى الموصل، ولكن السيل طغى عليها، فقام بإرسال أحدهم لكي يحضرها له في الموصل، فذهب الرجل وأحضرها له، ولكنها كانت قد ابتلت بالماء، فنصحه أحدهم أن يبخرها بالبخور، فأقام فترة طويلة من الزمن وهو يشعل البخور بكميات كبيرة لها، فأثر الدخان في عينيه، وعمي بسببه.
أقام في الموصل حتى توفي في عام خمسمائة وتسعة وستون للهجرة.