قصة قصيدة هددني خالد بقطع يدي:
أمّا عن مناسبة قصيدة “هددني خالد بقطع يدي” فيروى بأنّه في يوم من الأيام أدخل شابًا ذا هيئة حسنة، جميل المظهر، ظاهر عليه الأدب إلى أمير البصرة خالد بن عبد الله القسري، وقدمه قوم إلى خالد، فسألهم عن قصته، فقالوا له: إنّه لص قد دخل في الأمس إلى بيتنا، فنظر إليه خالد وأعجب بحسن هيئته، فأمرهم بأن يتركوه، ثم أقربه منه، وسأله عن قصته، فقال له الشاب بأن ما قالوه صحيح، وإنه لص أراد سرقتهم، فسأله خالد عما حمله على السرقة، فقال له الشاب: الطمع في الدنيا، فقال له: ثكلتك أمك، ألم ينهك حسن وجهك وكمال عقلك عن السرقة، فقال له الشاب: لا عليك من هذا أيها الأمير، وأنفذ حكمك بي، فسكت خالد وأخذ يفكر في أمر هذا الغلام.
ومن ثم أمره بالاقتراب منه مرة أخرى، وقال له: لقد رابني اعترافك، ووالله إني ما أظنك سارقًا، وإن هنالك قصة لا تريد أن تخبرني إياها، فقلها، فقال له الفتى: لا يوجد عندي قصة سوى التي سمعتها من القوم، فأمر خالد بأمن يؤخذ الغلام إلى السجن، ومن ثم أمر مناديًا أن ينادي في شوارع البصرة، ويقول: من أراد أن يحظر عقوبة فلان السارق، وينظر عندما تقطع يده، فليحظر في الغد، وعندما وضع الغلام في الحبس، هدأ، وأخذ ينشد قائلًا:
هددني خالد بقطع يدي
إن لم أبح عنده بقصتها
فقلت هيهات أن أبوح بما
تضمن القلب من محبتها
قطع يدي بالذي اعترفت به
أهون للقلب من فضيحتها
فسمعه الحارس، وتوجه إلى خالد وأخبره بما قال من شعر، وفي الليل أمر بأن يحضروا الفتى إليه، فأتاه، وعاد خالد وطلب منه أن يخبره القصة، ولكنّه رفض، فأخذ خالد يتحدث إليه، ومن ثم أمر بان يحضروا الطعام، فأكلا، وبقيا يتحدثان فترة من الزمن، وبعد ان طال حديثهما، قال له خالد: إني أعلم بأن عندك قصة غير السرقة، فإذا أتى الناس في الغد، وسألتك عن السرقة، أنكر بانك قد فعلتها، ثم أعاد إلى الحبس، وفي اليوم التالي لم يبق احد في المدينة إلا وحضر لكي يرى العقوبة، فركب خالد ومعه وجهاء المدينة حتى وصلوا إلى وسط المدينة، وعندما وصل أمر بالغلام، فأتى وهو مقيد، والنساء تبكي عليه، فأمر بان يسكت الحاضرون.
وعندما وقف الشاب بين يديه، قال له: إنّ هؤلاء القوم يدعون بأنك قد سرقتهم، فهل هذا صحيح؟، فقال له الغلام: نعم يا مولاي، لقد سرقتهم، فقال له: لعلك سرقت أقل من النصاب؟، فقال الغلام: لا بل كان يزيد عنه، فقال له: لعلك شريك لهم في أموالهم: فقال الفتى: لا، بل المال لهم كله، فغضب خالد، وقام وضربه على وجهه، وأنشد قائلًا:
يريد المرء أن يعطى مناه
ويأبى الله إلا ما أرادا
ثم أمر الجلاد بأن يقطع يده، فأتى ومد يده أمامه، وأراد أن يضربها، ولكن فتاة خرجت من بين القوم، وهي تصيح، ورمت بنفسها على الفتى، فارتفع للحاضرين ضجة عظيمة، ثم نادت بأعلى صوتها: خذ هذه الرقعة أيها المير، فأخذها خالد، وفتحها، فإذا مكتوب بها:
أخالد هذا مستهام متيمٌ
رمته لحاظي من قسي الحمالق
فأصماه سهم اللحظ مني فقلبه
حليف الجوى من دائه غير فائق
أقر بما لم يقترفه لأنه
رأى ذاك خيراً من هتيكة عاشق
فهلا على الصب الكئيب لأنه
كريم السجايا في الهوى غير سارق
وعندما قرأها نزل عن كرسيه، وابتعد عن الناس، وأحضر الفتاة وسألها عن القصة، فأخبرته أنّ هذا الشاب عاشق لها
وهي عاشقة له كذلك، وأنه أراد أن يزورها ويخبرها بمكانه، فرمى لها بحجر إلى شباكها، فسمع أبوها واخوتها الصوت، وصعدوا إليه، وعندما أحس بهم جمع ما استطاع أن يجمع من أغراض البيت ووضعه في صرة، فأمسكوا به وأخذوه، وقالوا بأنه سارق، وأحضروه إليك، فاعترف هو بالسرقة، وأصر على أنّه قد فعلها حتى لا يفضحني عند أهلي، ثم قالت له: ووالله إنّه قد هان علي أن تقطع يده لكي لا أفضح بين الناس، فقال لها خالد: والله إنه خليق بذلك، ثم أمر بأن يحضروا له الفتى، وقبله على جبينه.
وعاد إلى قصره وأخذ معه الشاب، وأمر بان يحضروا له والد الفتاة، وقال له: يا عم، لقد عزمت على تنفيذ الحكم في هذا الشاب، وقطع يده، ولكن الله عصمه عن ذلك، وإني قد وهبته عشرة آلاف درهم لأنّه قد حفظ عرضك وعرض ابنتك، ووهبت ابنتك مثلها، وإني أطل منك أن تأذن لهما بالزواج، فوافق والدها على ذلك.
حالة الشاعر:
كانت حالة الشاعر عندما أنشد هذه القصيدة الإصرار على كتمان سره، وعدم إخبار أحد به، حتى وإن كان سوف يعاقب بما لم يفعل.