قصة قصيدة - هيا انصرف واشرب دواءك واستعن

اقرأ في هذا المقال


ما لاتعرف عن قصة قصيدة “هيا انصرف واشرب دواءك واستعن”:

أما عن مناسبة قصيدة “هيا انصرف واشرب دواءك واستعن***بالله واهرب من سؤال السائل” فيروى أنّ أحداث هذه القصيدة قد جرت في عام ألف ومئتين وستين ميلادي في مجلس الخليفة هارون الرشيد وقد كان جالسًا ومعه مجموعة من الشعراء العباسيين ومنهم: أبو العتاهيةوالأصمعي ويحيى البرمكي وأيضاً وزير هارون الرشيد وبعض من خيرة رجال الدولة، وهناك قام أحد الرجال بالاستئذان من أحد خدم هارون الرشيد للدخول إلى مجلسه، فدخل هذا الخادم وكان يدعى مسرور إلى هارون الرشيد وقال له:

مولاي بالباب عبد شأنه جللُ
فينصحكم طامعٌ قد ساقه الأملُ

سرح هارون الرشيد بما قاله، ثم قال:

ما باله ترك العلوم وأهلها
وأتى لينصحه فتاً لا يعلمُ

أدخله علَّ بمجلسى نفعاً له
في عاقل يزن الأمور ويفهمُ

وقد قال هارون الرشيد بينه وبين نفسه:

سأكون من وثق الأمير بنصحه
وتكون لى بعد النصيحة حظوتي

ذهب مسروراً وبعدها دخل الرجل بملابس ومظهر يدل أنّه من أهل البادية فمشى الرجل حتى وصل أمام الرشيد، فقال له الرجل:

حق السلام على العوام معظَّمُ
ويكون أعظم إذ يحين لقاكا

فعليك من قلبي السلام ورحمةُ
أثوابها البركات ما أتقاكا

عندما سمع كلامه ابتسم هارون الرشيد بما قاله الرجل وففرح بما قال، وقال له:

ألق السؤال على مسامعنا وكن
ربَّ الفصاحة والبيان الموجز

خلقٌ كثير قد أراد لقاءنا
ولقد سبقت إلى المقام فأوجز

وعندما سمع الرجل هذا الكلام، أخذ نفسًا عميقًا وقال بهدوء:

لي من إناث الإنس واحدة بها
هام الفؤاد وذاب عشقًا وارتقى

هي زوجتي وحبيبتي وصفيتي
وبها القفار تصير روضاً مشرقاً

لكنَّني أرنو لثانية أتى
في حبها كأس الغرام معتقا

فلمّا أنهى الرجل كلامه سكت الرشيد لشدة دهائه ثم نظر إلى أبو العتاهية، فارتبك أبو العتاهية وبدأ بالسعال وهنا عرف هارون الرشيد ليس لديه إي إجابة، فقال الرشيد بوجه عابس:

لم يجن من صحب النساء مكاسباً
أبداً ولا في ذاك خير يطلب

ظهر على وجه أمير المؤمنين بعدم الارتياح فنظر إلى الأصمعي فاندفع للأصمعي بسرور وقال:

اظفر بها ستزيد حباً وليكن
ما في الشريعة من حلال ممتع

وقد غير هذا الكلام من ملامح هارون الرشيد، فقام رجل أعرابي من الجالسين في المجلس الجالسين متصنعًا، بألم وقال:

ألم برأسي لا أقوم بحمله
ودواؤه في الدار ليس معي هنا

وقد فهم هارون الرشيد قصد هذا الشاعر، فضحك وقال له:

هيا انصرف واشرب دواءك واستعن
بالله واهرب من سؤال السائل

بعد ما قال هارون الرشيد هذا الكلام خرج الشاعر من المجلس ووجهه مليء بالخجل من هذا الموقف وبدأت الأسئلة تدور في ذهنه فقد قال، ما الذي لا يعجبه الرشيد؟، ومن كثر التفكير بهذا الموقف فقد وجدت نفسي في سوق من أسواق بغداد بين الناس وفجأة رأيت شيخًا كبيرًا ذا شعر أبيض ويلبس ثوبًا مرقع وفي يده عصاً كبيرة واليد الأخرى وردة حمراء ذابلة ويقول:

بالله قولوا كيف يجرؤ عاقل
ويقول أجمع بين ساحرتين

يا ويل عقلي من جرائر مضغة
بين الضلوع تهتم في الحبين

هذي تذيبك في ابتسامة ثغرها
وبتلك تقتل في هوى العينين

تتسابقان على فؤادك دائما
يا ليت صدرك يحتوي قلبينِ

فاعلم بأنك هالك ومعذب
ولبست من حلل الضني ثوبين

وقد استغرب من حالة هذا العجوز وقال لأحد هناك من هذا؟، فقال له: لقد تزوج امرأتين فعاش معهما أسبوعًا واحدًا ثم طلقهما وبعدها فقد عقله، فقلت أن هذا الرجل عنده الإجابة التي أبحث عنها فمشيت خلف هذا العجوز فوصل إلى مكان في السوق يدعى “خان أبي منصور” وبعد أن توقف اقتربت إليه بحذر كي لا يؤذيني، فسألته: ماذا دهاك يطير شعرك صارخًا بين الورى ندمًا على ماضي الهوى؟، فاقترب الرجل العجوز إليه وقال:

ميزان عدلك لا تبغى به ظلماً
إنّ الشريعة أسمى من دنياكا

فقد وجدت الإجابة التي يبحث عنها وذهبت فورًا إلى القصر لكي أعطيه الإجابة فوقفت أمامه ولمعة الفرح في عيني وقلت:

كن زوج أربعة بعدل حاسم
أو كن لواحدة وفز بوفائها

قد ابهج وجه الرجل بعد أن عرف الإجابة وابتسم هارون الرشيد وقال:

نعم الدواء ونعم الرأي والحكم
يا من تزينه الأفكار والحِكم

ثم أمر حاشيته بعد هذا الجواب أن يعطيه عشرة آلاف دينار.


شارك المقالة: