قصة قصيدة والله ما كنت طول الدهر ناسيها

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة والله ما كنت طول الدهر ناسيها

أمّا عن مناسبة قصيدة “والله ما كنت طول الدهر ناسيها” فيروى بأن رجلًا يقال له محمد بن علي الجوهري دخل في يوم من الأيام إلى مجلس دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي، وعندما رآها وجدها كأنها درة، فأخذ ينشد قائلًا:

طوقته طوق الحمام بساعدي
وجعلت كفي للثام مبـاحـا

هذا هو الفوز العظيم ولم نزل
متعانقين فلا نريد بـراحـا

ومن ثم أقام عندها شهرًا، وترك دكانه وأهله، فقالت له في يوم: سوف أذهب اليوم إلى الحمام، وعليك أن تبقى في هذه الغرفة حتى أعود، ولا تغادر مكانك حتى أرجع إليك، فقال لها: سمعًا وطاعة، ومن ثم أخذت جواريها وخرجت إلى الحمام، ولم تكد تغادر القصر حتى دخلت إلى الغرفة عجوز، وقالت له: إن السيدة زبيدة تريدك، فإنها قد سمعت بحسن غنائك، وأدبك، فقال لها: والله لن أغادر مكاني هذا حتى تعود السيدة دنيا، فقالت له العجوز: لا تجعل السيدة زبيدة تغضب منك، فقم إليها وكلمها، وعد قبل أن تعود السيدة دنيا، فخرج معها، وتوجه إلى مجلس السيدة زبيدة، وعندما دخل إليها، قالت له: يا نور عيني، هل أنت حبيب السيدة دنيا؟، فقال لها: أنا عبدك ومملوكك، فقالت له: لقد كان على حق من وصفك بالجمال والأدب، وإنك فوق الوصف، ومن ثم طلبت منه أن ينشدها شعرًا، فأخذ ينشد قائلًا:

قلب المحب مع الأحباب مغلوب
وجسمه بيد الأسقام منـهـوب

ما في الرجال وقد زمت ركائبهم
إلا محب له في الركب محبوب

أستودع الله في أطنابكم قـمـراً
يهواه قلبي وعن عيني محجوب

يرضى ويغضب ما أحلى تدللـه
وكل ما يفعله المحبوب محبوب

وعندما انتهى، قالت له: طيب الله نفسك، فلقد أجدت الغناء، فقم وعد إلى الغرفة التي أتيت منها قبل أن تعود السيدة دنيا، فخرج من مجلسها، وعاد إلى غرفة السيدة دنيا، وعندما دخل إلى الغرفة وجدها قد عادت من الحمام، وهي جالسة تنتظره حتى يعود، فجلس أمامها فرفسته ورمته، وقالت له: لقد خنت القسم الذي أقسمته لي، وخرجت من الغرفة، وذهبت إلى السيدة زبيدة، ووالله لولا أني أخاف من كلام الناس لحرقت قصرها، ومن ثم أمرت عبدًا من عبيدها أن بعصب له عينيه، ففعل ذلك، وأراد أن يضرب عنقه، ولكن جواريها قلن لها: يا سيدتنا إنه ليس أول من أخطأ، ولم يفعل ذنبًا يستحق أن يقتل عليه، فقالت: والله لا بد لي من أن أجعله عبرة، وأمرت عبيدها أن يضربوه، فضربوه، ومن ثم رموه خارج القصر، فتوجه عائدًا إلى بيته، وأحضر طبيبًا، وأراه الضرب، فأخذ يعالجه.

وعندما شفي، خرج إلى دكانه، وجمع كل ما فيه، وقام ببيعه، واشترى أربعمائة عبد، وكان في كل يوم يركب معه مائتان منهم، واشترى مركبًا بخمسة آلاف دينار من الذهب، وأخذ ينادي كل من يراه في نهر دجلة لكي ينتبهوا له، وبقي على هذه الحال عامًا كاملًا، ولم يسمع منها خبرًا، وبعد تمام العام، أخذ ينشد وهو يبكي، قائلًا:

والله ما كنت طول الدهر ناسيها
ولا دنوت إلى من ليس يدنيهـا

كأنها البدر في تكوين خلقتـهـا
سبحان خالقها سبحان بـاريهـا

قد صيرتني حزيناً ساهراً دنفـاً
والقلب قد حار مني في معانيها

وعندما سمع الخليفة هارون الرشيد كلامه، وعرف ما به من ألم وشوق، قال: سبحان من جعل لكل شيء سببًا، وقال لجعفر: يا وزير، أحضر لي من سمعناه البارحة، فقال له: سمعًا وطاعة، ثم خرج إليه، وأحضره له، وعندما دخل إلى مجلس الخليفة، قال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ومن ثم أخذ ينشد قائلًا:

لا زال باب كعبة مقصـودة
وترابها فوق الجباه رسـوم

حتى يناديك في البلاد بأسرها
هذا المقام وأنت إبـراهـيم

فتبسم الخليفة، ورد عليه سلامه، وقربه لديه، وأجلسه بين يديه، وقال له: أريد منك أن تخبرني بخبرك، فقال له: العفو منك يا أمير المؤمنين، أعطني الأمان لمي يسكن روعي ويطمئن قلبي، فقال له أمير المؤمنين: عليك الأمان، فحدثه محمد بخبره، فقال له الخليفة: أتحب أن أعيدها لك، فقال له: هذا من فضلك، ومن ثم أنشد قائلًا:

ألثم أنامله فلسـن أنـامـلاً
لكنهن كفـاتـح الأرزاق

وأشكر صنائعه فسن صنائعاً
لكنهـن قـلائد أعـنـاق

نبذة عن محمد بن علي الجوهري

هو محمد بن علي الجوهري، مغن من مغني العصر العباسي.

المصدر: كتاب "الشعر والشعراء" تأليف ابن قتيبة كتاب "شرح نهج البلاغة" تأليف ابن أبي الحديد كتاب "العقد الفريد" تأليف ابن عبد ربه الأندلسي كتاب "الأغاني" تأليف أبو فرج الأصفهاني


شارك المقالة: